عودة السلطة الفلسطينية إلى التنسيق الأمني حلت لغز السباق إلى التطبيع الذي قادته دولة الإمارات، فجميع المطبعين العرب يسيرون على نهج القيادة الفلسطينية، وهم واثقون أن تعليق التنسيق الأمني الذي أعلنه السيد عباس في شهر مايو الماضي ليس إلا حملة إعلامية، ومناورة سياسية، ولا سيما بعد اقتران تعليق التنسيق الأمني مع عدم تسلم أموال المقاصة.
لقد بدأت مناورات السلطة الفلسطينية للعودة إلى التنسيق الأمني منذ اللحظة التي بدأت فيها لقاءات المصالحة الفلسطينية، وهذان مساران متناقضان لا يلتقيان، ولكن قيادة السلطة نجحت في توظيف مسار المصالحة، ولقاء الأمناء العامين ليخدم مسار التنسيق الأمني، وقد دللت جملة من الشواهد على أن السلطة الفلسطينية لم توقف تقربها من الإسرائيليين طوال فترة اللقاءات مع التنظيمات الساعية للمصالحة، وهذا ما كشفت عنه رسالة حسين الشيخ إلى المنسق الإسرائيلي كميل أبو ركن بتاريخ 7/10 من هذا العام، حيث تأخر الرد الإسرائيلي على الرسالة الفلسطينية مدة أربعين يومًا، وجاء بتاريخ 17/11، أربعون يومًا من التواصل السري مع الإسرائيليين واللقاءات العلنية مع التنظيمات الفلسطينية، وهذا يؤكد أن حديث المصالحة كان يهدف إلى الضغط على إسرائيل كي توقع على وثيقة الالتزام بالاتفاقيات الموقعة، وهذا ما رفضه رئيس الوزراء نتنياهو، ورفضه وزير حربه غانتس، ورفضه وزير خارجيته أشكنازي، وتم تكليف منسق شؤون المناطق كميل أبو ركن للتوقيع على رسالة تلتزم بجمع أموال المقاصة، وفي هذه الرسالة احتقار للقضية الفلسطينية التي لم تعد سياسية، وإنما صارت ملفًا أمنيًا وماليًا على طاولة منسق شؤون المناطق.
لقد تجاهلت السلطة الفلسطينية الحقائق السابقة وادعت أن استئناف التنسيق الأمني جاء بعد استجابة إسرائيل لطلب السلطة بتنفيذ كل الاتفاقيات مع المنظمة، لكن الحقائق على الأرض تكذب هذا الادعاء، فقيادة المنظمة تعرف أن إسرائيل قد تنصلت من الاتفاقيات حين قال اسحق رابين: "إن المواعيد غير مقدسة"، وحين تم تخطى المرحلة الانتقالية سنة 2009 دون قيام الدولة، وتنصلت إسرائيل من الاتفاقيات حين سيطرت على جبل أبو غنيم وتحويله إلى مستوطنة هار حوماه، وحين اجتاحت الضفة الغربية سنة 2002، فأكذوبة تمسك إسرائيل بالاتفاقيات ترفضها قرارات المجلس المركزي التي طالبت بالتحلل من الاتفاقيات مع إسرائيل التي لم تلتزم بما وقعت عليه، فأين هو الانتصار العظيم الذي سمح للسلطة بالعودة إلى التنسيق الأمني؟
لقد حرمت مقررات المجلس المركزي التنسيق الأمني، وكذلك مقررات المجلس الوطني، وهذا ما أكدته الفصائل والتنظيمات، وهذا ما طالب به شعبنا الفلسطيني، ومع ذلك ضربت السلطة الفلسطينية عرض الحائط بالكفر الفلسطيني بالتنسيق الأمني، وآمنت به ربًّا مقدسًّا، ومصدر الرزق الوحيد للسلطة.
وأمام هذه المقدسات الجديدة، فإن بيانات الشجب والاستنكار والإدانة التي صدرت عن التنظيمات الفلسطينية لن تردع عدوانًا، ولن تمنع انزلاقًا، والمطلوب هو قصم ظهر التنسيق الأمني، ولا يتحقق ذلك إلا بتوافق الشعب الفلسطيني وتنظيماته وقواه السياسية على خطوات عملية تردع المنسقين، وتحول بالقوة بينهم وبين مواصلة هذه الخطيئة التي فاق ضررها الاستيطان، بل أن الاستيطان ما كان ليقوى على الزحف والتقدم لولا عصا التنسيق الأمني، التي تلهب ظهر الفلسطينيين، وتضمن الأمن للمستوطنين.
على الشعب الفلسطيني أن يتحرك، وأن يبدأ بردع المنسقين أمنيًّا، وأن يمنعهم من عقد اللقاءات الأمنية مع عدونا الإسرائيلي، وأن يلزمهم عدم الاختلاء بقادة المخابرات الإسرائيلية، وأن يمد لهم يد العون ليعودوا إلى حضن الشعب، فالشعب هو صاحب القضية، والوطن ملك للشعب.