لم يأتِ نبأ موافقة السلطة الفلسطينية على استئناف التنسيق الأمني مع "إسرائيل" مفاجئًا للعديد من الأوساط التي تعرف ما يجري خلف الكواليس، بعيدا عن الشعارات العلنية والمواقف السياسية التي تسعى لتسجيل نقاط داخلية في الساحة الفلسطينية.
التسريبات الإسرائيلية بدأت تخرج للتو بأن منسق العمليات الحكومية في الأراضي المحتلة الجنرال كامل أبو ركن، وكبار ضباط الإدارة المدنية، أجروا في الأسابيع الأخيرة اتصالات مكثفة مع السلطة الفلسطينية لتجديد التعاون والتنسيق الأمني مع "إسرائيل"، حيث مثل الجانب الفلسطيني في المباحثات حسين الشيخ وزير الشؤون المدنية، وقائد جهاز المخابرات العامة ماجد فرج.
إضافة إلى الاتصالات لإعادة التنسيق الأمني، جرت محادثات ثنائية فلسطينية إسرائيلية في محاولة لإيجاد طريقة لتحويل أموال الضرائب التي تجمعها "إسرائيل"، مع العلم أن إعلان الشيخ عن انفراج في المحادثات للعودة للتنسيق الأمني، والتزام "إسرائيل" الخطي فيما يتعلق بالتزامها الكامل في الاتفاقيات الموقعة مع السلطة الفلسطينية، سيمكِّن أبو مازن من الموافقة على تلقي أموال ضريبية من "إسرائيل" بمئات الملايين من الشواقل، وهذه أموال تحتاج إليها السلطة الفلسطينية مثل تنفس الهواء، بسبب الانهيار المستمر للمنظومة الاقتصادية الفلسطينية، وتفاقم أكثر في أعقاب أزمة كورونا.
بجانب تنفس الصعداء الذي خرجت أصداؤه في تل أبيب ورام الله بعد الاتفاق الذي تم التوصل إليه، يبرز السؤال الواضح عما تغير في العلاقة الإسرائيلية الفلسطينية، ولماذا الآن، مما يدفع باتجاه ظهور ثلاثة أسباب رئيسة لهذه الخطوة المفاجئة.
السبب الأول وقبل كل شيء لقرار السلطة استئناف التنسيق الأمني، يظهر تأثير انتصار جو بايدن، رغم إعلان أبو مازن انسحاب السلطة من الاتفاقات مع "إسرائيل"، بما فيها التنسيق الأمني قبل ستة أشهر، ومن حينها تدهورت العلاقات المهتزة بالفعل بين "إسرائيل" والسلطة بسبب الموقف المتحيز لإدارة ترامب تجاه "إسرائيل".
السبب الثاني يتعلق بوباء كورونا الذي أصاب السلطة الفلسطينية، وتسبب بتفاقم أزمتها الاقتصادية، مع أنها تحتاج لأموال الضرائب التي تجمعها "إسرائيل"، والاتفاق الذي تم التوصل إليه بين الطرفين للعودة للتعاون والتنسيق الأمني سمح لأبو مازن "بالنزول عن الشجرة" التي صعدها، والموافقة على تحويل مئات الملايين من الشواقل من "إسرائيل" لحسابات السلطة المستنزفة.
السبب الثالث هو الخوف الذي نشأ في "إسرائيل" من إمكانية إحراز تقدم في جهود المصالحة الداخلية بين حماس وفتح، رغم أن عودة التنسيق الأمني أثار ردود فعل غاضبة من مختلف القوى الفلسطينية، وقد تؤدي لإنهاء محادثات المصالحة، وهو ما تريده "إسرائيل"، لأنها تتمنى أن تمنى جهود المصالحة بين فتح وحماس بالفشل الذريع، والقلق الفلسطيني أن تتحقق هذه الأمنية الإسرائيلية.