شكل اغتيال نائب زعيم تنظيم القاعدة في إيران "أبو محمد المصري" مناسبة لإعطاء سلسلة من الاستنتاجات الأمنية الإسرائيلية، بما فيها الدليل على قدرة الاستخبارات والعمليات الخاصة لجهاز الموساد، ومدى ارتباط إيران بالتنظيم الذي تكرهه، وتأثير هذا الاغتيال في مستقبل العلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل.
وقد أقرت الأوساط الأمنية الإسرائيلية أنه بناء على معلومات المصادر الاستخباراتية في واشنطن، يمكن استخلاص بعض الاستنتاجات الإسرائيلية حول الطلب الأمريكي من الموساد القيام بهذه المهمة في قلب طهران.
الاستنتاج الإسرائيلي الأول من الاغتيال يتعلق بالإيرانيين، ويذكرنا بكلمات الخميني حين وافق على وقف إطلاق النار مع صدام حسين، بإعلانه أنهم مستعدون لشرب كأس من السم، وعقد صفقات مع الشيطان، وهنا يصعب العثور على طرف عدو لدى إيران أكثر من الحركات الجهادية السنية.
الغريب أن الإيرانيين استضافوا قيادات القاعدة في ظروف من الرفاهية، ولسنوات عديدة، ما يطرح تساؤلات حول أسباب استضافة الإيرانيين لقادة القاعدة، أولها الرغبة بالتنسيق والتعاون بعمليات ضد أعداء مشتركين على رأسهم أمريكا وإسرائيل، وثانيها التمسك بقادة القاعدة الكبار، وضمان عدم قيامهم بهجمات ضد إيران.
الاستنتاج الإسرائيلي الثاني من الاغتيال يظهر أن جهاز الموساد متغلغل بشكل عميق في الساحة الإيرانية، ويذكرنا بالعمليات التي نفذها داخلها خلال السنوات السابقة، لاستهداف العناصر الأكثر حساسية وأهمية بالمشروع النووي، ولذلك فإن تحديد مكان "المصري"، ثم إلحاق الأذى به، تعبير عن قدرات الاستخبارات والعمليات الاستثنائية للموساد.
الاستنتاج الإسرائيلي الثالث يرتبط بالعلاقة الاستخباراتية بين إسرائيل والولايات المتحدة أقرب من أي وقت مضى، ورغم أن تنظيم القاعدة ليس على قائمة أولويات أجهزة المخابرات الإسرائيلية، لكن وجود المصري تحت المتابعة المكثفة يجعله معروفا، لأن لدى إسرائيل حسابا مفتوحا معه، لكنه بشكل أساسي حساب أمريكي عمره 22 عاما، ولم تتمكن الولايات المتحدة من إغلاقه، وطلب رؤساؤها من إسرائيل إغلاقه.
مع العلم أن الموساد أمضى عاما كاملا بمراقبة "المصري"، رغم اتخاذه احتياطات مختلفة، مثل تغيير الشقق والسيارات، حتى تمكنوا من الحصول على فرصة تشغيلية لإلحاق الأذى به، ولعله من قبيل الصدفة أن يتم الاغتيال بالضبط في الذكرى الـ22 لمهاجمة السفارة، مع أن قضية الاغتيالات حساسة، حيث تحجم الدول، بما فيها الأصدقاء المقربون، عن التعاون مع بعضها.
الاستنتاج الإسرائيلي الرابع يتعلق بأن هناك احتمالا كبيرا أن العمل لا يزال أمام الإسرائيليين، حيث يعد إغلاق الحسابات مع "المصري" حدثا دراميا ومهمًّا أثار انتباه العالم، لكنه معركة هامشية لا تتقدم على القضية الرئيسة والصراع المستمر، وهي الحرب الطويلة والمستمرة بين إيران والولايات المتحدة وإسرائيل، حيث لم تقل الأخيرة كلمتها النهائية بعد.