"الحكومة البريطانية أمام القضاء الفلسطيني".. عنوان كبير احتل صدارة صحف ومواقع إلكترونية فلسطينية وعربية، ومضمونه الكل يعرفه، ويتعلق بوعد بلفور وما تسببت به بريطانيا من مآسٍ للشعب الفلسطيني. أعتقد أن البعض لن يعجبه رأيي في المسألة، وخاصة أولئك الذين عدوه خطوة تاريخية غير مسبوقة، وذهب بعض السياسيين إلى أن تلك الخطوة ستوقف أمريكا "عند حدها" وستفشل صفقة القرن وتكبح جماح الاحتلال وتمنعه من الاستمرار في جرائمه في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
نظريا أعد هذه خطوة رمزية تحمل بعض المعاني الجميلة، ولكن عمليا أعدها مجرد مضيعة للوقت، فأنا لا أدري كيف نريد تجريم بريطانيا التي جلبت الاحتلال الإسرائيلي ونحن نحتفل بذكرى إعلان الاستقلال، الذي تبعته بعد سنوات اتفاقية أوسلو التي تجبُّ ما قبلها من جرائم ارتكبها المحتل الإسرائيلي، ما دام الطرفان تصافحا فهذا يعني غض الطرف عن كل ما سبق من جرائم، أي ان الطرف الفلسطيني تنازل عن المطالبة بحقه في المجازر التي ارتكبها الاحتلال وتنازل عن ثلاثة أرباع الوطن وهي تزيد على مساحة الأرض التي وعد بها بلفور اليهود وهي لا تزيد على 55% من أرض فلسطين، فمن الذي منح اليهود 20% زيادة؟
أنا اقول انها مضيعة للوقت لأننا الآن بأمسّ الحاجة الى وقت نرتب فيه البيت الفلسطيني، ونوحد صفوفنا واهدافنا، ونحن بحاجة الى الوقت لنضع خطة نواجه بها الاحتلال وجرائمه، فنحن ليس لدينا خطة، وكل ما نفعله_سوى ما تفعله المقاومة في غزة_ هو مطالبة العالم والمجتمع الدولي بإنهاء الاحتلال، ووقف الاستيطان، وكذلك مطالبة جامعة الدول العربية بلجم الامارات وما تقوم به من خطوات خيانية ومخجلة خدمة للمحتل الاسرائيلي وآخرها الترويج للهيكل الاسرائيلي المزعوم وعدّ بعض أحياء شرقي القدس مناطق اسرائيلية، أي ان مواقفنا لا تتعدى التعليق على الاحداث والاكتفاء بالشجب والاستنكار ومطالبة المشاركين في احتلال فلسطين وتثبيت الكيان الاسرائيلي بإنقاذنا ولن ينقذنا سوى سواعدنا وادمغتنا وقراراتنا المستقلة والمنطقية، ولذلك لا بد من وقف كل اشكال العبث الذي ينتهي الى مجرد خبر، وكذلك يجب ان نتوقف عن نبش الماضي والبحث عن أمجاد وبطولات قديمة، لدينا عقبات تحتاج إلى من يزيلها أو يقلل منها بالعمل وذلك لا يكون الا بوجود خطة واضحة المعالم وجهود جبارة ونوايا صادقة.