تراقب المحافل الإسرائيلية ما يعيشه الشارع الفلسطيني في غزة من تفاقم الوضع الإنساني، وقفزة حادة بمعدلات البطالة، وانخفاض أجور العمال، وتزايد مستويات الفقر، وعدم تحسن الوضع الاقتصادي، ما دفع أجهزة الاستشعار التابعة لجيش الاحتلال الإسرائيلي على حدود قطاع غزة أن تحذر مما قد يشهده من توتر أمني وتصعيد عسكري.
تدرك "إسرائيل" جيدا أن التوتر أو الهدوء النسبيين على طول حدود غزة لم يمنعا المقاومة والاحتلال من العمل في الظل، حيث تعمل الأولى على مدار الساعة لتعزيز قدراتها ومناوراتها، في حين يواصل الاحتلال جمع المعلومات الاستخبارية، وبالتالي فإن الوضع المتوتر بينهما لا يحتاج لأكثر من عود ثقاب لإشعال معركة حامية.
الاعتقاد الإسرائيلي أن هناك حاجة ماسة لبذل جهد إنساني كبير في غزة، بجانب الحملة السرية ضد المقاومة، وتعزيز حملة إنسانية لمنع حدوث أزمة، لأن الواقع فيها معقد للغاية، ورغم كل المشكلات الاقتصادية، فإن غزة لم تنهرْ بعد.
صحيح أن المقاومة والاحتلال غير معنيين بالمواجهة العسكرية الشاملة، وقد يفعلان أي شيء لتفاديها، رغم تنشيط البالونات الحارقة، والمظاهرات الحدودية، باعتبار كل هذه الوسائل مشروعة مصممة لتحقيق الهدف النهائي، وهو فك الحصار عن غزة، كما أن المقاومة المعنية بالتهدئة، لم تغير هدفها الاستراتيجي ضد إسرائيل، رغم أن الطريق إليه هو التنازلات التكتيكية المؤقتة.
يتمثل التحدي الرئيس أمام المقاومة بإدراكها أن غزة فقيرة وضعيفة للغاية، وفي الوقت ذاته فهي تسعى لتعزيزها اقتصاديًا وعسكريًا، وهذان هدفاها الرئيسان، الأول اقتصاديًا بإعادة تأهيل القطاع، ورفع المستوى المعيشي لسكانه، والثاني التحشيد العسكري عبر الاستمرار بالتكثيف من أجل إدارة المواجهة بشكل أفضل مع إسرائيل في أي حملة مستقبلية.
في هذا الوضع اليوم، توجد الكرة في الملعب الإسرائيلي، صحيح أن غزة بحاجة ماسة لمشاريع مدنية اقتصادية، وهي مستعدة لدفع ثمنها بهدوء، وعلى "إسرائيل" أن تنحي القضايا السياسية من خلال وساطة أممية وعربية، ووعد بتحويل الأموال للمشاريع الإنسانية، وهذه الخطوة في ظاهرها تحظى بدعم شامل من كبار قادة أذرع الأمن في إسرائيل.
يعتقد الإسرائيليون أن هناك ثلاث فوائد لإنجاز تهدئة مع غزة، أولاها هدوء طويل الأمد لمستوطني الغلاف، وثانيتها زيادة بمستوى معيشة الفلسطينيين في غزة، وثالثتها تقليل اعتماد غزة على "إسرائيل"، خاصة في الطاقة والبنية التحتية، رغم أن هذه الخطوة لها عيبان رئيسان، أولهما أنها لا تشمل حل مشكلة الأسرى الإسرائيليين، وثانيهما استمرار تعزيز قوة حماس العسكرية، بطريقة قد تعرض "إسرائيل" للخطر في المستقبل.
بين هذه الإيجابيات والسلبيات، يستمر الجانبان بالمناورة في المستقبل القريب، في محاولة للتوصل إلى اتفاق، وإذا لم ينجحا بإنجازه، فقد يعودان لمسارهما المألوف، واختيار الوسائل العسكرية لتحقيق أهدافهما.