لا يختلف عاقلان على أن أسوأ رئيس أمريكي بالنسبة للعرب وللقضية الفلسطينية هو دونالد ترامب، فهل ذلك يعني أن جو بايدن رائع ومليح للعرب ولقضيتهم الفلسطينية؟
قد يكون جو بايدن رئيساً جيداً للشعب الأمريكي، وسيحدث الكثير من الإصلاحات الداخلية، وسيجد المواطن الأمريكي فارقاً جوهرياً بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي على الصعيد الحياتي، ولذلك اندفع الشعب بقوة لاختيار حاكمه، ولكن السياسة الخارجية الأمريكية محكومة بالمؤسسة، والقضية الفلسطينية جزء من هذه السياسة التي ترى بـ(إسرائيل) حليفاً استراتيجياً، وترى بالفلسطينيين أقلية قومية لها حقوق إنسانية فقط.
لقد كشف جو بايدن عن سياسته قبل أن يصير رئيساً بزمن بعيد، حين قال: لو لم تكن هناك دولة إسرائيل، لعملت على وجودها، وحين قال: أنا صهيوني، ولا شرط أن تكون يهودياً لتكون صهيونياً، فهذه اللغة تكشف عن عميق الترابط الروحي بين جو بايدن وفكرة قيام دولة إسرائيل وتوسعها على حساب العرب، وقد كان جو بايدن من بين المرحبين بالاتفاقيات الموقعة بين إسرائيل ودولة الإمارات والبحرين، وبالتالي فمن المتوقع أن يستمر على نفس خط التطبيع الذي بدأه ترامب في الشرق الأوسط، بل سيعسى إلى توسيع دائرة الموقعين على الاتفاقيات لصالح إسرائيل من باب الاعتراف بالفضل لنسبة 77% من يهود أمريكا الذين أعطوه صوتهم.
سيفرح بعض الفلسطينيين لفوز بايدن، وسيجدون فرصتهم للعودة إلى المشهد بعد تجاهلهم من إدارة ترامب، ولكن هذه العودة التي ستخدم القيادة الفلسطينية لن تخدم القضية الفلسطينية، فبايدن هو صاحب فكرة تقسيم العراق وتمزيق سوريا، ولا يتحقق تدمير البلاد العربية إلا لصالح إسرائيل، وقد أخذ بايدن على نفسه عهداً بحماية إسرائيل، جاء ذلك في أثناء حملته الانتخابية، من خلال كلمة له في ولاية بنسلفانيا، تعهد بمواجهة العداء للسامية بكل حزم.
ما سبق من أفكار بايدن ومعتقداته السياسية تحذر الفلسطينيين من الغرق في الأوهام السياسية التي عبرت عنها السيناتور كامالا هاريس المرشحة الديمقراطية لمنصب نائب الرئيس، والتي وعدت من خلال مقابلة صحفية بضمان تمتع الفلسطينيين والإسرائيليين بتدابير متساوية من الحرية والأمن والازدهار والديمقراطية، والالتزام بحل الدولتين، ومعارضة أي خطوات أحادية الجانب تقوض هذا الهدف، ومعارضة الضم والتوسع الاستيطاني، واستعادة المساعدات الاقتصادية والإنسانية للشعب الفلسطيني، ومعالجة الأزمة الإنسانية المستمرة في غزة، وإعادة المساعدات لوكالة "أونروا"، وإعادة فتح القنصلية الأمريكية في القدس الشرقية، وإعادة فتح بعثة منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن.
تلك الوعود الأمريكية المعسولة كانت قائمة في زمن الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، ومع ذلك لم ينتهِ الاحتلال، ولم تقم دولة فلسطينية، ولم يتمتع الفلسطينيون بالديمقراطية، ولم يزدهر الاقتصاد الفلسطيني، ولم تزح الحواجز العسكرية، ولم ينتهِ الحصار عن غزة، ولم يتوقف تهويد القدس، وهذا مربط الفرس الذي عبرت عنه كامالا هاريس حين قالت: إذا فاز بايدن، فإنه سيحتفظ بالسفارة الأمريكية في القدس، وهذا يعني الاعتراف بالقدس عاصمة موحدة لدولة اسمها إسرائيل.
فهل ظل رجاء سياسي من بايدن لصالح القضية الفلسطينية خلافاً للمساعدات المالية، وتبادل الزيارات، وعقد المؤتمرات؟
يقول المثل العربي: ما حكّ جلدك مثلُ ظفرك!