فلسطين أون لاين

السحاب ونبح الكلاب

لقد ضرب رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) أروع الأمثلة في العدل والإنصاف، فقد حضر حلفاً لنصرة المظلومين عندما كان شاباً سُمي بحلف الفضول، وكان من أهدافه نصرة كل مظلوم، وبعد بعثته ذكر رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) ذلك الحلف فقال: "حضرت حلفاً في دار ابن جدعان ما أُحبُّ أن لي به حُمر النعم، ولو دُعيت به في الإسلام لأجبت".

جاءه أعرابي يطلب ديناً كان على النبيّ (صلّى الله عليه وسلّم) فقال له بكل غلظة "أُحرّج عليك إلا قضيتني"، فانتهزه الصحابة، وقالوا: "ويحك! أتدري مع من تتكلم؟!"، فقال: "إني أطلب حقي"، فقال رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم): "هلاَ مع صاحب الحق كنتم" وبعد أن أعطاه حقه، قال: "لا قُدسّت أُمةٌ لا يأخذُ الضعيفُ فيها حقه غير مُتعتعٍ (أي دون أن يلحقه مشقة أو أذى)".

وعندما جاءه أسامة بن زيد يشفع لامرأة مخزومية سرقت، قال له: "أتشفع في حدٍ من حدود الله؟!" رغم محبته لأسامة ووالده، وفي المساء وقف خطيباً، وقال: "أيها الناس، إنما أهلك الذين قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وأيمُ الله، لو أنَّ فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها".

وعندما جاءه النعمان بن بشير ليشهده على هبة وعطاء لولد من أولاده، فقال له: "يا بشير: ألك ولدٌ سوى هذا؟ قال: نعم، فقال له: "كلهم وهبت لهم مثل هذا؟" قال: لا، فقال (صلّى الله عليه وسلّم): "فلا تُشهدني إذاً، فإني لا أشهد على جور".

والمواقف والأمثلة الدالة على عدل الرسول الكريم كثيرة جداً، فقد كان عادلاً ولو على نفسه أو أصحابه والحبيب قبل العدو والقريب قبل البعيد، تنفيذاً لأمر الله (تعالى): {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوْ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ}.

هذا هو رسول الله، رسول الإنسانية والرحمة، والعدل خلق من أخلاقه الحميدة الكاملة العظيمة، فقد وصفه الله جلّ وعلا فقال: {وإنك لعلى خُلقٍ عظيم}.

نغضب كثيراً ونحزن لما نسمعه من إساءة بحق رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) من أعداء الدين والإنسانية {قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ}، وهذا هو ديدنهم عبر التاريخ، فهل يُضير السحاب نبح الكلاب؟!

إنَّ أفضل وسيلة للتعبير عن محبتنا لرسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) هي باتباع سنته وتطبيق سيرته العطرة، فقد بعثه ربنا جلَّ وعلا لنقتدي به ونتعامل مع كل الناس بهذه الأخلاق، فإن فعلنا ذلك كنّا خير دعاة لهذا الدين، ومن أتباع الحبيب الذي سيستقبل أحبابه وأتباعه على الحوض يسقيهم بيده الشريفة شربة لا يظمئوا بعدها أبداً.