ليس هناك فرق كبير بين الظروف المعيشية للأسرى الفلسطينيين خلف القضبان، وبين حياة أكثر من مليوني إنسان في قطاع غزة، فالذي يمسك بمفتاح الزنازين هو السجان الإسرائيلي الذي يتبع مصلحة السجون، والذي يمسك بمفتاح المعابر هو السجان الإسرائيلي نفسه الذي يتبع مصلحة الارتباط أو المعابر أو المناطق، لا فرق في الأسماء ما دامت المهمة واحدة.
السجناء الفلسطينيون يتمتعون بحكم ذاتي داخل غرفهم بشكل لا يختلف كثيرًا عن واقع حياة الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية، مع فارق بسيط، أن غزة متمردة، وترفض تطبيق أوامر وتعليمات السجان، وتحمل في يدها سلاحها.
السجناء الفلسطينيون يرفضون واقعهم المعيشي، ويرفضون ممارسات السجان ضدهم، فيثورون، وقد يشتبكون مع السجان بالأيدي، ويتعاركون معه بكل ما وقع تحت أيديهم من أدوات، لتتدخل القوات الضاربة الإسرائيلية، فتقمع السجناء، وتحقق الهدوء، بعد الاستجابة لبعض مطالب الأسرى.
والناس في قطاع غزة يرفضون واقعهم المعيشي، فيثورون، ويشتبكون مع السجان بكل ما توفر لهم من وسائل قتالية، ورغم عنف القصف الإسرائيلي، يصل الطرفات إلى مرحلة تهدئة جديدة، بعد كل جولة من المواجهات، مع الاستجابة لبعض المطالب الحياتية.
وقد يلجأ الأسرى إلى الإضراب عن الطعام، ويحتملون الجوع لعدة أسابيع بهدف تحسين ظروف معيشتهم، وفي النهاية يتوقفون عن الإضراب مقابل تحسين طفيف على ظروف حياتهم خلف الأسوار، بما في ذلك زيادة مدة الفسحة، وزيادة زمن زيارة الأهل، وتحسين نوعية الطعام، وزيادة كميته.
وقد يلجأ الناس في قطاع غزة إلى مسيرات العودة، وإطلاق البالونات، ومناكفة الاحتلال، وإشغاله بهدف الضغط عليه لتحقيق بعض المكاسب، وتحسين الظروف المعيشية لسكان قطاع غزة، بما في ذلك تحسين نوعية المساعدات، وتوسيع مساحة الصيد، وتسهيل دخول البضائع عبر المعابر، وزيادة كمية الدولارات التي ستوفر الطعام لسكان قطاع غزة.
لجأت إلى المشابهة بين حياة الأسر وحياة سكان قطاع غزة بهدف الرد على أولئك الذين يشوهون المقاومة، ويشهرون بها، ويعيبون عليها تسلم شنطة الدولارات، وتوسيع مساحة الصيد، بل وصل الأمر ببعضهم أن يتهم المقاومة بالتعاون مع إسرائيل لمجرد موافقة الموساد الإسرائيلي على دخول شنطة الدولارات إلى قطاع غزة، ووصل الأمر ببعضهم أن يسخف المقاومة، ويقول بأنها تلهث خلف توسعه مساحة الصيد طمعًا بكيلو من سمك السردين!
الذين يطعنون سكان غزة بشرفهم المقاوم للاحتلال، ويشككون بصدق المقاومة يتجاهلون الواقع، ويتنكرون للحقيقة بأن سكان غزة في سجن كبير، وأن المقاومة والقتال لتحقيق أهداف مطلبية حياتية لا يقل أهمية عن المقاومة لتحقيق أهداف وطنية سياسية، إن لم يكن النجاح في تحقيق الهدف المطلبي مقدمة للنجاح في تحقيق الهدف السياسي.
وإذا كان الأصل في العلاقة بين السجين والسجان هي المواجهة والتصعيد، فإن الأصل في العلاقة بين رجال غزة وبين المحتل الصهيوني هي المواجهة والتصعيد، من هنا، فإن فترات التهدئة استراحة مقاتل، يعد نفسه لقادم الأيام، فالأصل أن يكون السجين حرًّا، بلا قيود، والأصل أن يعود الفلسطيني إلى وطنه حرًّا بلا حواجز، وبلا معابر مغلقة، وبلا قيود.
بعد هذه المقاربة، هل يجرء عاقل على القول : لقد باع أكثر من خمسة آلاف أسير فلسطيني التهدئة لإدارة السجن مقابل بعض الامتيازات؟
وهل يجرؤ وطني واحد على القول: كلما تقلصت الامتيازات، لجأ الأسرى إلى المقاومة، أو المشاغبة، أو المواجهة، كي يضمنوا وصول شنطة المساعدات؟