فلسطين أون لاين

آخر الأخبار

اعتراف إسرائيلي: تهديدنا الوجودي من الداخل لا الخارج

في ذروة الأزمات الداخلية الإسرائيلية المستعصية بسبب كورونا، ونتائجه الاقتصادية، وعواقبه السياسية، يتحدث الإسرائيليون أن التهديد الأكبر يأتي من الداخل لأول مرة، وأن شعورًا تولد لديهم، بأن الخطر على أمنهم قادم من الداخل، وليس من الخارج، رغم سلة التهديدات القادمة من الدول المجاورة لهم.

معظم الإسرائيليين ركزوا في انتخاباتهم الأخيرة على الشؤون الأمنية، وأدلى معظمهم بأصواتهم لحزب ليكود برئاسة نتنياهو، الذي يفتخر بعلامته التجارية "سيد الأمن"، أو لرئيس أركان الجيش السابق بيني غانتس زعيم حزب أزرق- أبيض، حتى إن ثلاثة من قادته الأربعة رؤساء أركان سابقون: بيني غانتس وغابي أشكنازي وموشيه يعلون، وهذا شيء عادي، فمعظم الإسرائيليين يرون أن مخاوفهم الوجودية مرتبطة بالتهديدات الأمنية.

هذا نموذج يصعب كسره، ولهذا السبب شكل الاعتبار الأول في كل انتخابات حتى الآن، كما حصل في انتخابات 1992م، وفاز فيها إسحق رابين رئيس الأركان ووزير الحرب الأسبق، واعتقد الإسرائيليون أنه سيكبح جماح الانتفاضة، وقد استفاد نتنياهو من هذا النمط التصويتي، لأنه أمضى وقته رئيسًا للوزراء يلقب نفسه "سيد الأمن".

لكن وصول فيروس كورونا نتج عنه واقع مأساوي لنتنياهو، فالوباء ينتشر بخلاف مصلحته، على الصعيدين المدني والأمني، رغم أن الهدوء ساد على طول معظم ما يسمى "حدود (إسرائيل)"، وتمتع الإسرائيليون بمستوى عالٍ من الأمن الشخصي، وتظهر أرقام وزارة الحرب أنه على مدى السنوات الـ56 الماضية لم يُقتل أي إسرائيلي نتيجة الهجمات المسلحة خلال عام واحد حتى أغسطس 2019م.

مع أن (إسرائيل) نفذت هجمات ضد إيران وحزب الله، وخاضت حروبًا عدوانية على الفلسطينيين، وحافظت على مكانتها قوةً عسكرية إقليمية عظمى، وفاجأ نتنياهو الجميع بالتطبيع مع الإمارات والبحرين والسودان، ما عزز مكانة (إسرائيل) في المنطقة، بجانب العلاقات الممتازة مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، واعترافه بـ"السيادة الإسرائيلية" على الجولان، ونقل سفارتها إلى القدس.

رغم كل ذلك لا يزال الإسرائيليون قلقين جدًّا بشأن الاقتصاد، وتصف عناوين وسائل الإعلام نظامهم الصحي المتعطش للتمويل، ومئات آلاف العاطلين عن العمل، وشركات يهددها الانهيار، وتظاهرات حاشدة ضد نتنياهو المتهم بالفساد، وتفكيك الديمقراطية، وتمتلئ وسائل التواصل بصور أصحاب الأعمال يدمرون بضاعتهم احتجاجًا، وقصص لأشخاص ماتوا بسبب كورونا، وروايات شباب يائسين أصبحوا جيلًا ضائعًا.

لعل الاستنتاج الغريب أن الهدوء الأمني على طول "الحدود" يتعارض مع مصالح نتنياهو، لأنه يمنح الإسرائيليين مزيدًا الوقت للتركيز على القضايا الاجتماعية والاقتصادية، وهذه المرة الأولى في تاريخ (إسرائيل) التي يكون فيها التهديد الوجودي داخليًّا، ولا مجال لإلقاء اللوم فيما يحدث على أعدائها من الخارج، لأن نتنياهو، الخبير في إثارة الخوف، اكتشف أن الأمن آخر ما يدور بأذهانهم حاليًّا.