يُطبّع من يُطبّع من الحكام العرب مع الإسرائيليين، ويتصالح من يتصالح من الأنظمة مع الصهاينة، ويُقبّل أقدام الخزي والعار من يُقبّل من عشاق التنسيق الأمني، فالتاريخ يشهد أن هذه الأرض العربية التي شربت دماء الجنود المصريين والسوريين والسعوديين والسودانيين والأردنيين والجزائريين والعراقيين واليمنيين ستبقى عربية، ولن تغير جلدها الذي كتب عليه الشهداء أسماءهم بحروف من وفاء وحنين.
فلسطين عربية إسلامية رغم أنف ماكرون ونتنياهو وترامب وكل من رضع حليب الحقد على الإسلام والمسلمين، وكل من وضع يده في يد الإسرائيليين، وستبقى أرض فلسطين نقطة التقاء الغيم الماطر مجدًا، وقمة جبل الكبرياء الرافض للهزيمة والخنوع، وستظل الملايين من أبناء الشعب الفلسطيني المدعومين من ملايين العرب الشرفاء هم رأس حربة الدفاع عن تاريخ هذه الأمة، وعن حاضرها المحاصر بالخيانة، وعن مستقبلها النابض في عروق الأجيال حرية، وعن العقيدة الإسلامية التي تستهدفها الأطماع الإسرائيلية.
السودان العربي بشعبه وجماهيره يرفض التطبيع مع الإسرائيليين، فعشاق التطبيع هم حفنة من العملاء القابضين على عنق الشعب السوداني، والممسكون بمفاصل الحكم، وهؤلاء المتسلطون على موارد السودان زمنهم قصير، وبقاؤهم لن يطول، فنهر النيل لا يعرف السكون، ومياهه لا تقبل الجيف الطافية على السطح، والسودان نهر عطاء يتدفق بالوفاء، نهر سيلفظ العملاء، إنها سنة الحياة، ومنطق الأشياء.
ويظل الشعب السوداني خزان البطولة، وعنفوان الرجولة، وهذا ما اعترفت به الوثائق الإسرائيلية نفسها، والتي تحدثت عن ارتقاء 38 شهيدًا سودانيًّا في ليلة واحدة دفاعًا عن أرض قرية بيت دراس في فلسطين، كان ذلك بتاريخ 8/7/1948، في معارك عنيفة، نجح فيها السودانيون في استرداد قرية بيت دراس التي هجر أهلها بتاريخ 21/5 من عام النكبة، لقد هزم الجيش السوداني في تلك الليلة العصابات اليهودية، وأذاقها الموت والهلاك، وفر الصهاينة من أرض المعركة مخلفين قتلاهم وسلاحهم، لقد نجح السودانيون في الاستيلاء على مدفع رشاش، وعلى آلاف الطلقات، وأعلنوا انتصارهم بإشارات عسكرية للجيش المصري، وهنا وقع الخلل، أو وقع الخطأ في قراءة الإشارات العسكرية، وبدلًا من تقدم الجيش المصري لمعانقة الجيش السوداني على أرض قرية بيت دراس، قصف الجيش المصري بيت دراس بالمدفعية، لتتساقط القذائف على رأس الجنود السودانيين، ويتحول الانتصار السوداني إلى مجزرة لجنوده الأبطال.
لقد عملت القوات السودانية في تلك المعركة تحت إمرة ضابط مصري شجاع، وقع في الأسر بعد أن أصابته القذائف بجراح، وقد اعترف تحت التعذيب بأن الخطة العربية تقضي بمواصلة الهجوم لاسترداد قرية عبدس والسوافير والبطاني وبقية القرى الفلسطينية حتى المسمية.
اليوم نستذكر شهداء السودان على أرض بيت دراس، ونقرأ بطولاتهم بعيون الأمل، نترحم عليهم، ونعزف لحن الكرامة على صدى صرختهم الرافضة للتطبيع، وهي تعانق صوت الأحياء من الشعب السوداني في الخرطوم وفي أم درمان وفي كل مكان، إنها صرخة أمة ترفض التطبيع، وتعانق بورد العمر إشراقة الربيع.