رجال صدقوا الله فصدقهم، لم ولن يبدلوا.. بددوا وهم الاحتلال الصهيوني في الوهم المتبدد، وأسروا المزيد من جنوده بعد سلسلة الهزائم التي مني بها في حروبه مع غزة، واستطاعت المقاومة الفلسطينية أن تمرغ أنفه في التراب وترغمه على الإفراج عن أسرى لطالما أذاقوه الويلات بعملياتهم الفدائية.
قبل تسعة أعوام حررت المقاومة 1050 أسيرا فلسطينيا من ذوي الأحكام العالية وجميع الأطفال والنساء والمرضى في صفقة تبادل شملت كافة الأراضي الفلسطينية: القدس، والضفة الغربية، وقطاع غزة، وأراضي1948م، بالإضافة لأسرى من الجولان السوري المحتل، وكذلك شملت أسرى من كافة الفصائل الفلسطينية، في تأكيد على أن خيار المقاومة هو الوحيد والإستراتيجي لتحرير الأسرى من خلال أسر الجنود الصهاينة وعقد صفقات التبادل.
شكلتْ صفقة وفاء الأحرار نقطة فاصلة في تاريخ القضية الفلسطينية وصفحة مشرقة في أجندة عمل المقاومة في قطاع غزة؛ فقد تفوقت على الاحتلال وأسرت الجندي الصهيوني جلعاد شاليط واحتجزته في قطاع غزة المحاصر أكثر من ٥ سنوات، ما دل على فشل كبير لأجهزة الاستخبارات الإسرائيلية في مواجهة تكتيك وحدة الظل القسامية التي احتفظت به لحين عقد الصفقة.
والمؤشر الثاني ما أظهرته قيادة المقاومة ورئيس أركانها الشهيد أحمد الجعبري من صلابة في الموقف التفاوضي مع الاحتلال والتي انتهت بصفقة مشرفة، والمؤشر الثالث تطور القدرة الأمنية والعسكرية لكتائب القسام وصولًا لفهم طريقة التعامل مع الاحتلال والتخفي عنه، وتوجيه ضربات قاسية له وقت عملية تسليم شاليط والتمويه في عملية نقله من غزة إلى مصر وما تبع ذلك من شعور بانتكاسة سياسية وخيبة أمل لدى الاحتلال.
والمؤشر الذي يدعم فرضية التحول الكامل في المقاومة الفلسطينية بعد صفقة "وفاء الأحرار"، هو تولي الأسير المحرر في الصفقة يحيى السنوار رئاسة المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية حماس في قطاع غزة، وما لحق ذلك من تغير جذري لقواعد اللعبة العسكرية والسياسية في مواجهة الاحتلال بشكل تدريجي ووصول صواريخ المقاومة للعمق الصهيوني وتكتيك التفعيل الذاتي للصواريخ ونجاح إدارة معركة صراع الأدمغة والحرب النفسية المصاحبة لجولات التصعيد وما إلى ذلك من تطور سلاح المقاومة، وتصاعد وتيرة الحراك الشعبي في مسيرات العودة وكسر الحصار، وتصاعد دور المقاومة الملحوظ في عهد السنوار.
حققت الصفقة نصرا للمقاومة الفلسطينية، تمثل في إجبار الاحتلال على القبول بشروطها بعد جولات عديدة من المفاوضات، وهو أمر مهم وضروري ومقدمة لإبرام صفقات جديدة خاصة في ظل وجود أسرى صهاينة في قبضة القسام الذي يدير معركته الأمنية بقدرة تكتيكية عالية، وهي بمثابة حرب نفسية يشنها على الحكومة والمجتمع الإسرائيلي ما يزيد الضغط عليه أمام جمهوره ويكشف زيف قوته ويظهر كذبه وعجزه أمام النفس الطويل للمقاومة بعد ست سنوات من أسر جنوده في حرب العصف المأكول، الأمر الذي يزيد من فرص المقاومة الفلسطينية في ملف التفاوض وإجبار الاحتلال على تنفيذ الشروط كافة لإبرام صفقة جديدة.
إن انتصار المقاومة الفلسطينية ونجاحها في صفقة وفاء الاحرار انتصار للإنسانية من خلال الإفراج عن الأسرى الفلسطينيين من جهة ومعاملة المقاومة للأسرى الصهاينة من جهة أخرى، فقد أظهرت الصور التي نشرتها كتائب القسام المعاملة الحسنة التي تلقاها شاليط أثناء أسره في غزة، وفضحت الاحتلال الذي يعذب أسرانا في سجونه.
كما أن وفاء الأحرار تعد انتصارا للحق الفلسطيني، ورافعة للروح المعنوية للأسرى في سجون الاحتلال، وتزيد الأمل لدى عائلاتهم بأن المقاومة قادرة على الإفراج عن أبنائهم، بامتلاكها الكثير من أوراق القوة وقدرتها على مناورة الاحتلال وتلقينه دروسا عديدة تربك منظومته الاستخباراتية وتتسبب في تآكل قوته العسكرية، حتى تبييض السجون من الأسرى واسترداد كامل الحقوق الفلسطينية.