أجرت قيادة جيش الاحتلال الإسرائيلي في الآونة الأخيرة ما يمكن عدّه إعادة ترتيب للتهديدات المحيطة، خاصة في ضوء الوضع الإقليمي الحالي، وتراجع حدة الاحتكاك في عدة قطاعات حربية، ما يتطلب الاستعجال في التعامل مع بعض التحديات العاجلة، ومعالجتها بأقصى سرعة، لا سيما غزة، التي صعدت فجأة إلى صدارة هذا الترتيب.
لعل الدلالة الأهم في تصدر قطاع غزة فجأة قائمة الأولويات لدى جيش الاحتلال الإسرائيلي، أنه بقعة جغرافية غير مستقرة، بل متفجرة، والقناعة الإسرائيلية أنه إذا لم يُتوَصل إلى تسوية مستقرة مع حماس تشمل إيجاد حلول جادة لا مؤقتة، لمختلف المشاكل والمعاناة الإنسانية في القطاع، ومنها: تجديد المنحة القطرية، ودخول عمال من قطاع غزة إلى أراضي الـ(48)، وتنفيذ مشاريع لتحلية المياه، وإنشاء منطقة صناعية، فقد يجد الإسرائيليون أنفسهم قريبًا في تصعيد عسكري أمام حماس، يشمل إدخال قوات كبيرة من الجيش إلى غزة.
دلالة أخرى يكتسبها الترتيب الجديد للتهديدات الإسرائيلية، ووضع غزة على رأسها، أن هيئة أركان جيش الاحتلال استعرضت أخيرًا الخطط العملية لحملة عسكرية في القطاع، قد يلجأ إليها في محاولة إسرائيلية لتغيير الوضع القائم فيها، مع أن (إسرائيل) وحماس لا تريدان هذه الحملة، و(إسرائيل) تحديدًا تتردد في خوضها، ولكن كما هو الحال منذ سنوات، قد يجد الطرفان نفسيهما في عمقها، ولهذا السبب تحتل غزة مكانة عالية في سلم اهتمام هيئة الأركان العامة.
لم تغب الضفة الغربية عن سلم أولويات جيش الاحتلال الإسرائيلي، لأن الوضع فيها مرشح للانفجار في أي لحظة، بسبب القطيعة القائمة مع السلطة الفلسطينية، وما يشمله من وقف التنسيق الأمني، وعدم تسلم أموال المقاصة، وتأزم الوضع الاقتصادي، فضلًا عن تفشي وباء كورونا، كل ذلك جعل الضفة الغربية مكانًا قابلًا للانفجار مثل غزة، وفق التقدير الإسرائيلي.
تهديدات أخرى ظهرت واضحة جلية في الأولويات العملياتية لجيش الاحتلال الإسرائيلي، أهمها جهود إيران لإنشاء جبهات إضافية في سوريا والعراق واليمن، وإرسالها لسوريا صواريخ أرض - أرض دقيقة، ومحاولات تقييد حرية (إسرائيل) في العمل في أجواء سوريا ولبنان، في حين تواصل (إسرائيل) إحباط المحاولات الإيرانية عبر الاستخبارات والعمليات و"المعركة بين الحروب".
حزب الله جاء ترتيبه متأخرًا في قائمة التهديدات الماثلة أمام جيش الاحتلال الإسرائيلي، وهو أمر لافت، رغم أن الحزب أكمل الاستعدادات لأي نوع من الصراع مع (إسرائيل)، بتصعيد يستمر عدة أيام من القتال، أو حرب ضارية طويلة، مع تهديد إسرائيلي صريح أن ما تلقاه لبنان من ضربات خلال 33 يومًا من القتال في 2006م خلال الحرب الثانية، سيتلقاه في يوم واحد، ولعل الحزب لديه التهديد ذاته والقدرات التي ستؤلم (إسرائيل).