يكفل قانون الأسرى والمحررين رقم (19) لسنة 2004، في مادته السابعة "صرف السلطة لكل أسير راتبًا شهريًا يحدده النظام ويكون مربوطًا بجدول غلاء المعيشة"، وأيضًا "صرف جزء من الراتب لأفراد عائلة الأسير طبقًا لمعاير النفقة القانونية المعمول بها".
لكن هذا لم يعد ينطبق على المحرر من سجون الاحتلال الإسرائيلي محمد الديراوي.
وللعام الرابع على التوالي، تواصل السلطة قطع راتب الديراوي المحرر في صفقة "وفاء الأحرار". ولا يقتصر الأمر عليه، بل طال محررين آخرين وأسرى يقبعون خلف قضبان الاحتلال.
والديراوي الذي يدير مكتب إعلام الأسرى، من سكان مدينة الخليل، جنوبي الضفة الغربية المحتلة، قضى في سجون الاحتلال 13 عاما من عمره، قبل نيل حريته في الصفقة المبرمة بين حركة حماس و(إسرائيل)، وإبعاده إلى غزة نهاية 2011.
وقطع رواتب أسرى ومحررين سياسة لجأت إليها السلطة بحلول 2017، ضمن سلسلة إجراءات عقابية شملت تقليص رواتب موظفيها بغزة إلى 50 بالمئة، وقانون التقاعد الإجباري، ووقف التحويلات الطبية، وغيرها.
وما زالت الإجراءات مستمرة رغم الحراك الحاصل في ملف المصالحة، وما ترتب عليه من لقاءات عقدت أخيرًا، أبرزها اجتماع الأمناء العامين بين بيروت ورام الله مطلع سبتمبر/ أيلول، وما تلاه من اجتماع بين حركتي فتح وحماس في اسطنبول.
وقال الديراوي لـ"فلسطين": رواتبنا كمحررين حق لنا وليست منة من أحد، وكفل القانون الفلسطيني ذلك، وللأسف قطعت رواتبنا دون اللجوء للقانون، وضربت السلطة القوانين التي تكفل حقوق الأسرى بعرض الحائط.
وشملت سياسة قطع الرواتب عددا من الموظفين الذين كانوا يعملون في أجهزة أمن السلطة بغزة.
ويقول عبد الكريم عجور: "أعتقد أنه ليس من المنطق بتاتًا استمرار حراك المصالحة في ظل فرض عقوبات على جزء من الشعب الفلسطيني، وهو أمر يستغربه معظم الشعب".
وتساءل عجور باستغراب خلال حديثه مع "فلسطين": كيف لقادة الفصائل عدا "فتح" الموافقة على الانخراط في حوارات المصالحة قبل المطالبة برفع العقوبات؟ "فهي قضية ملحة ويجب طرحها على الطاولة منذ اليوم الأول والضغط باتجاه رفع هذه العقوبات الظالمة".
وأضاف حول تداعيات الإجراءات العقابية: "الضرر كبير وكان مقصودًا منذ البداية للضغط على المسؤولين عن الوضع في غزة، لكن للأسف هذه العقوبات ألحقت الضرر بفئات الشعب التي تعاني أصلاً الحصار والإغلاق".
وعدَّ أن معالجة آثار الانقسام ليست بالأمر السهل ولكن ليست مستحيلة، "يمكن للفصائل التعلم من تجربة شعوب أخرى كانت منفصلة مثل جنوب افريقيا وايرلندا اللتين استطاعتا التغلب على انقسامات أعمق عبر الديمقراطية والعمل ضمن قواعد مشتركة وانتهاج أسلوب الانتخابات وقبول الآخر".
من جهته، عدَّ الكاتب والأديب يسري الغول، أن رئيس السلطة محمود عباس "يحاول تحقيق مصالح للسلطة من خلال لقاءات الفصائل في بيروت وغيرها، ومحاولة للضغط على أمريكا و(إسرائيل) ربما للإفراج عن أموال المقاصة".
وأوضح الغول في تصريح لـ"فلسطين" أن "عباس يتخذ من المصالحة ورقة ضغط على تلك الأطراف، لكنه لا يريد تحقيق المصالحة لأنه لا يؤمن بالشراكة مع حركة حماس أو الفصائل الأخرى، وما يريده مجرد تنظيمات تتبع له وتقر ما يقره وتؤمن بما يؤمن به".
وتوقع الغول أن رئيس السلطة "لو كان يؤمن بالوحدة الوطنية لما لجأ إلى قطع رواتب أقرانه في حركة فتح الذين يتبعون محمد دحلان"، مضيفًا: "عباس يعد غزة عاقة يجب أن تعاقب لأن فيها حركة حماس التي تنافسه بالسياسة".
وشدد الغول على عدم شرعية هذه الإجراءات التي تحاول السلطة من خلالها إلى ايقاع أقسى العقوبات حتى يشعر المواطن بفشل مشروع المقاومة بعدما فشل مشروع السلطة منذ اتفاق (أوسلو).
واتهم رئيس السلطة، بـ"أنه غير مهتم بالأوضاع الإنسانية بغزة، وهذا ما تعكسه القنوات الرسمية للسلطة".
ويقول الكاتب والمحلل السياسي طلال عوكل، إن الإجراءات المتخذة بحق غزة بالأساس غير قانونية، وتنطوي على تمييز، وفشلت في تحقيق أهدافها التي فرضت من أجلها.
وعدَّ عوكل في تصريح لـ"فلسطين": أن الإجراءات العقابية أحد أهم المؤشرات لمدى صدق السلطة والفصائل تجاه ملف المصالحة، مضيفًا: "هناك تباطؤ على الأقل، وأخشى أن نكون أمام محطة اقتربنا فيها من الاحتفال لكن قد لا نتمكن من ذلك" مبديًا خشيته من فشل جديد في ملف المصالحة.
ونبَّه إلى أن الفلسطينيين تأخروا كثيرًا في ترتيب البيت الداخلي، وأن كل تأخير مدفوع الثمن، وتنصب أمامه عقبات جديدة، لكنه أكد أن مصداقية الطرح في لقاءات الفصائل تعتمد على دعم صمود المواطنين وهذا يستدعي التراجع عن هذه الإجراءات العقابية كافة.