فلسطين أون لاين

آخر الأخبار

الإسرائيليون يخفقون بجمع شظايا كيانهم الممزق

ما زال الإسرائيليون يحيون مرور عشرين عاما على اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الثانية، بصفتها أظهرت كم أن إسرائيل واجهت تهديداً استراتيجياً، ما استنفرهم للعمل على مواجهته، والتصدي له، لأنهم شعروا أن هذا التهديد مزقهم إرباً إرباً، لأن شيئاً هائلا وفظيعا حدث معهم.

لم تقتصر انتفاضة الأقصى في حينه على جولات من المواجهات المسلحة في الضفة الغربية وقطاع غزة فقط، ولا على اشتباك محدود في واحد من الحدود المتوترة مع إسرائيل، بل دار الحديث عن عملية هجومية شاملة، وكأن الحرب اندلعت في جميع أنحائها، وظهرت حربا على الأرض، من خلال أحداث الانتفاضة الثانية.

اللافت أن كثيرا من الإسرائيليين لم يتفاجؤوا من اندلاع الانتفاضة الثانية، لأنهم منذ سبتمبر 1993 قدروا أن عملية أوسلو ستؤدي لانفجار فلسطيني هائل، لم يعرفوا متى، وكيف سيحدث، لكن كان واضحًا أنه أمر لا مفر منه، وقلقوا كثيرا، لأن لديهم مخاوف عميقة حول قدرة المجتمع الإسرائيلي على مواجهة هذا الانفجار، ومدى حصانته أمامه.

مع اندلاع انتفاضة الأقصى تذكر الإسرائيليون كيف أفرغت تل أبيب عندما أصابتها صواريخ سكود التي أطلقها العراق في حرب الخليج الأولى 1991، وشاركوا شعور "المؤسسين الأوائل" بأن جيل أحفادهم لا يتمتعون بالمرونة والتصميم اللذين كانا لدى مقاتليهم في 1948، واستحضروا على الفور وصف المجتمع الإسرائيلي بـ"بيت العنكبوت"، حين أسفرت سنوات الانتفاضة عن سقوط أكثر من ألف إسرائيلي وآلاف الجرحى، وخفض معدل نمو اقتصادهم إلى ما دون الصفر، ورفع معدل البطالة إلى 10.7٪.

كشفت الانتفاضة الثانية حقيقة حول هشاشة ما لدى المجتمع الإسرائيلي من مخزون القوة الداخلية لمواجهة تحدٍّ أمني لم يعرفه منذ ربع قرن، لأن رد فعله بين 2000-2005 جاء ساحقًا، يوما بعد يوم، أطلقت النار الفلسطينية على مستوطنة غيلو قرب القدس المحتلة، وليلة بعد ليلة، شق المسلحون الفلسطينيون طريقهم إليها، وتعطلت الحياة بمستوطنات الضفة الغربية، وتوقفت الحياة فيها.

شهرًا بعد شهر، شهدت انتفاضة الأقصى ظهور موجة العمليات الاستشهادية بمراكز التسوق والمقاهي والنوادي الليلية، وتوقفت في إسرائيل الحياة الاستهلاكية، وجولات المتعة، وواصلت العائلات الإسرائيلية تعيش مع كوابيس الهجمات الفلسطينية، وقد باتت إسرائيل تعيش تحت نيران متواصلة، وتحولت الحياة فيها مشهدا سرياليا من روتين المواجهة.

خلاصة الإسرائيليين من ذكرى انتفاضة الأقصى، ويشترك بذلك اليمين واليسار معاً، أنها استطاعت تدمير الروح التي انطلق منها ديفيد بن غوريون بتأسيس إسرائيل، وتمكنت من إضعافها بشكل كبير، وهي التي أوهمت نفسها لفترة طويلة أنها قوية، لكنها في الحقيقة وصلت مكاناً واجهت فيه تهديدًا وجوديًا واحدًا، وهو التهديد الداخلي، وحينها بدأ الإسرائيليون بجمع شظايا دولتهم الممزقة، وإعادة بنائها، دون أن يستطيعوا ذلك.