فلسطين أون لاين

إصلاح ذات البين وإنهاء الخصومة من مقاصد الإسلام

...
غزة/ هدى الدلو:

في ظل الظرف الاستثنائي الذي يمر به قطاع غزة، يحتم على كل فرد الوقوف عند مسئولياته الملقاة على عاتقه، وترك الماضي بخلافاته، وفتح صفحة جديدة مع المتخاصمين، نظرًا للوضع القائم والتمكن من مجابهة جائحة كورونا.

أستاذ الفقه المقارن المشارك بكلية الشريعة والقانون في الجامعة الإسلامية د. ماهر السوسي يقول إن الأصل في المجتمع المسلم أنه متكافئ، ورسالة الإسلام جاءت من أجل تيسير حياة المجتمع نفسه، ونشر الحب والتعاون بين أفراده، وهذا هو المبدأ الرئيس من التكافل الاجتماعي.

ويلفت في حديث مع صحيفة "فلسطين" إلى ضرورة أن يكون هذا المبدأ أكثر فاعلية في الوضع الذي نعيش فيه اليوم، لما يمر به القطاع من صعوبة الوضع الاقتصادي ومبدأ التكافل يعني نشر الحب والود والتعاون في أوقات السعة والراحة، ولكن يكون المجتمع أكثر احتياجًا له في تلك الفترة.

ويوضح السوسي أن المصالحة المجتمعية وفض الخصومات، وتقارب الناس يعني صفاء القلوب ونشر الود والمحبة بين أفراد المجتمع، فهذه الأمور ستكون عونًا على مواجهة الظرف الصعب الذي يمر القطاع به.

ويقول: "فنحن اليوم أكثر احتياجًا إلى التصالح وتجاوز الخصومات والمشاكل الاجتماعية التي تنغص حياة الناس، في الوقت الذي هم ليسوا بحاجة إلى مزيد من المشاكل التي تضاف إلى الظروف التي يعيشون فيها من حصار إسرائيلي، وجائحة كورونا".

ويشير السوسي إلى أن الخلاف والنزاع معول لهدم المجتمع، ويخالف حديث المشرع، فهو فرقة واعتداء على أرواح الناس وأعراضهم وأمنهم وأموالهم، ويعاكس الأمن المجتمعي، والاستقرار الذي من المفترض المحافظة عليه في ظل حالة الطوارئ التي تحتاج إلى هدوء ومجتمع مستقر حتى يقوم كل فرد بدوره.

ويضيف أن في ذلك مخالفة لأمر الله في الاعتصام والاتحاد الذي هو مطلب شرعي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ، وَتَرَاحُمِهِمْ، كَمَثَلِ الْجَسَدِ الْوَاحِدِ، إِذَا اشْتَكَى عُضْوٌ مِنْهُ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْأَعْضَاءِ بِالْحُمَّى، وَالسَّهَرِ".

يتابع السوسي: "إن تجاوز النزاعات والخلافات التي هي العامل الأول لتوفير الأمن والاستقرار، ومن عوامل مجابهة الظرف الاستثنائي الذي نعيش فيه، فالقضية تتعلق بكل فرد في المجتمع فهي ليست وظيفة الصحة والداخلية بل وظيفة كل فرد بالعمل عن دفع البلاء والالتزام بإجراءات الوقاية، وتناسي الخلافات كوننا أمام تحدٍّ عظيم".

ثواب عظيم

بدوره تحدث الواعظ في وزارة الأوقاف والشئون الدينية محمود زمارة أن الإسلام حرص على إصلاح ذات البين، ولذلك أمر الله سبحانه وتعالى عباده بالسعي بين المتخاصمين، وجعل لذلك ثوابا عظيما " لَّا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ ۚ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا"، (النساء- 114) ، فترتب الأجر العظيم على الإصلاح بين الناس.

ويذكر حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال: "ألا أخبركم بأفضل من درجة الصلاة والصيام والصدقة؟ قالوا بلى .. قال إصلاح ذات البين، وفساد ذات البين هي الحالقة".

ويبين زمارة أن صلاح ذات البين يعني مجتمعًا حصينًا متماسكًا متحابًا، وتعني التقريب بين القلوب المتنافرة، والآراء المتباعدة، وأداء الحقوق لأصحابها، وأمان من الفتتن ودرء للمفاسد، وسد لأبواب الشيطان، لقوله تعالى: "إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ"، (الحجرات- 10).

ويوجه رسالة للخصمين قائلًا لهم "الصلح خير" فالخير في الصلح لجميع الأطراف، أما أولئك الذين يتشبثون عند آرائهم من أجل عزهم ومكانتهم فالنبي عليه الصلاة والسلام قال: "وَمَا زَادَ اللَّهُ عَبْدًا بِعَفْوٍ إِلَّا عِزًّا"، وأن تتسع صدورنا للآخرين لا أن نزيدها بعدًا وخصمًا".

وينبه زمارة إلى أن على المصلحين رغم ما يبذلونه من جد وسعة صدورهم، فهم يقومون بأمر عظيم لإعادة الالفة والمحبة، أن يتحلوا بآداب مهمة، كضرورة ضمر النية الصالحة لأنها أقصر الطرق للتوفيق بين الخصوم " إِن يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا"، وملازمة التقوى وعدم الضغط على الأطراف الضعيفة.

ويختم بتأكيد ضرورة إقرار الحق "الصلح جائز بين المسلمين الا صلحا حرم حلالًا أو أحل حرامًا"، وألا يقولوا إلا ما يقرب بين المتخاصمين قال ابن بابويه: "إن الله أحب الكذب في الإصلاح وأبغض الصدق في الإفساد" فإن سمع المصلح كلمات تضيق الصدور لا يمكن له أن ينقلها، فالإصلاح مقصد من مقاصد الإسلام العظيم.