قبل ثلاثة أشهر، أظهر استطلاع للرأي أجراه المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية، ومقره رام الله، أن نسبة 21% من سكان الضفة الغربية يفكرون بالهجرة، ولكن نسبة الراغبين في الهجرة ارتفعت إلى 24%، هذا الشهر، وهذا مؤشر خطير، يدلل على أن دولة الصهاينة لا تغفل، ولا تنام، وتضيق على حياة الفلسطينيين بهدف تهجيرهم مما تبقى لهم من أرض، ولاسيما بعد أن سيطر المستوطنون على مفارق الطرق، وقمم الجبال، ومنابع المياه، ومصادر الرزق، وتركوا الفلسطيني حائراً في حاضره، تائهاً عن مستقبله.
ولمزيد من الضغط على حياة الفلسطينيين، تعمل مراكز الدراسات والأبحاث الإسرائيلية على مدار الساعة، وتضع الخطط للسيطرة على أرض الضفة الغربية بالسرعة الممكنة، فبقاء الأمر على ما هو عليه لا يتناسب مع الأطماع الإسرائيلية، وما تحسبه القيادة الفلسطينية صموداً على الأرض، لن يدوم طويلاً وفق المخططات الإسرائيلية، فالذي امتلك رقبة الأرض، سيحرص على امتلاك باقي أطرافها، وقد نشرت صحيفة "إسرائيل هيوم" بتاريخ 14/9 تصريحات لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، يقول فيها: "من الآن فصاعداً، ستكون المفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية على أساس لا عودة حتى ولو للاجئ واحد، والقدس ستكون عاصمة موحدة وأبدية لإسرائيل، مع السيادة المطلقة لإسرائيل على الضفة الغربية".
بهذا التصريح يكون نتانياهو قد طوى صفحة المفاوضات العبثية التي امتدت لأكثر من 27 عاماً، وهو يؤكد على "عدم قيام دولة فلسطينية، وإنما جيوب متفرقة لسكان فلسطينيين، وليسموا نفسهم دولة أو إمبراطورية إذا أحبوا ذلك" .
تصريحات نتانياهو تعكس ما هو قائم على الأرض، وهذا هو لب صفقة القرن، التي تضع الشعب الفلسطيني أمام مرحلة جديدة من التضييق والمعاناة التي ستؤدي إلى الطرد القسري للسكان، أو التهجير الطوعي، ولا منطق في اطمئنان بعض الفلسطينيين إلى مقولة: "إننا هنا باقون" دون دعم لمقومات البقاء، ودون اقتناع بأن من خلف البقاء حياة، ولاسيما أن المؤشرات حتى اللحظة لا تبشر بنجاح الحسابات الفلسطينية، فالحسابات الإسرائيلية أكثر خبثاً ومكراً، وقد كشف مضمونها نتانياهو حين قال: "لن نضم أريحا، سنضم الأغوار فقط، والفلسطينيون الذين سنضمهم لن يحصلوا على جنسية، والجيش مستعد وجاهز لكل الخيارات".
فهل سترتفع نسبة الفلسطينيين الراغبين بالهجرة من الضفة الغربية بعد عدة أشهر إلى 30% ، وربما 40%؟ وأين سيذهب هؤلاء الفلسطينيون المجبرون على ترك أوطانهم لضيق العيش والمعاناة، أو لانسداد آفاق المستقبل؟
المخطط الإسرائيلي المعتمد على صفقة القرن يقوم على توزيع الفلسطينيين على دول العالم، من خلال التجنيس، ومن خلال التوطين في الدول العربية المطبعة مع إسرائيل، وإعطائهم جنسية البلاد التي سيعبرون إليها، فدولة إسرائيل التي تجاوز عدد سكانها هذا العام 9 ملايين، لن تبقى صامتة أمام التطور الديمغرافي للعرب الفلسطينيين، وستعمل بكل طاقتها ومخططاتها لتسهيل عملية تفريغ معظم الأرض الفلسطينية من سكانها، ولكن برضاهم ورضا الدول العربية المطبعة، والتي صار من واجبها أن تلبي حاجات الصديق الجديد.
لقد أكد نتانياهو في لقائه مع صحيفة "إسرائيل هيوم"، "أن ما تقوم به إسرائيل لا يسمى ضماً، وإنما إعلان سيادة القانون الإسرائيلي على "يهودا والسامراء" الضفة الغربية، وأضاف: لقد أجريت اتصالات مع معظم زعماء العالم، وهم يؤيدون كل خطواتي".
هذه اللغة السياسية الصريحة لرئيس وزراء إسرائيل جاءت استجابة لواقع الحال الفلسطيني، والذي لم يحرك ساكناً حتى هذه اللحظة أمام ما يجري من تحولات استراتيجية، ومتغيرات جغرافية، جعلت نتانياهو واثقاً من خطواته، وهو يقول: ليس لدى السلطة الفلسطينية أي خيار سوى القبول بما تنازلنا عنه من أرضنا، وإنها لتنازلات مؤلمة!
ولكن الأخطر من كل ما سبق، والذي يفضح المخطط الإسرائيلي الكبير، ما سيقوم به نتانياهو من خطوات عملية، وعلى وجه السرعة، حين قال لصحيفة "إسرائيل هيوم"، "سنعمل على سحب الهويات والجوازات التي صدرت من السلطة الفلسطينية تحت سقف أوسلو، وسوف نقوم بإخلاء المواطنين الذين دخلوا تحت سقف أوسلو إلى بلدانهم التي جاؤوا منها".
فماذا سيفعل الفلسطينيون إذا دخل الجيش الإسرائيلي لمدينة رام الله كعادته، وقام باعتقال كل من حمل الهوية الإسرائيلية التي تم منحها للعائدين بعد اتفاقية أوسلو؟
الأمر جد خطير، وسينفذ نتانياهو تهديداته طالما لم يبادر الفلسطينيون، وظلت ردة فعل القيادة لا تتعدى إطار الشجب والاستنكار والإدانة، وانتظار الخطوة الإسرائيلية القادمة لإدانتها!