تبدي الأوساط الإسرائيلية قناعتها بأن اتفاق التطبيع مع البحرين والإمارات يشير إلى تغيير جوهري في مكانة "إسرائيل" في المنطقة، بزعم أنها لم تعد الدولة المنبوذة، المصابة بالجذام، التي تحاول الدول الموقعة معها على تلك الاتفاقيات إبقاءها محجمة، بل الدولة التي يسعى الكثيرون علنا للتقرب منها.
مع العلم أن الأسبوع الذي تم فيه توقيع الاتفاقيات التاريخية مع الإمارات والبحرين تزامن مع مرور 27 عاما على توقيع اتفاقيات أوسلو، على نفس العشب الأخضر في البيت الأبيض، ومرور 20 عاما على اندلاع الانتفاضة الثانية، وإن ذكر هذه الأحداث الثلاثة في جملة واحدة كاف لتوضيح الطريقة التي سارت بها المنطقة، وأين ذهبنا في السنوات الـ27 الماضية.
تزعم المحافل الأمنية والسياسية الإسرائيلية أن الاتفاقات الموقعة مع دول الخليج تعبر عن اهتمام حقيقي، وإيمان بهدف التطبيع من جانب الدول الموقعة، ما يجعلها إنجازات مهمة لـ"إسرائيل"، وإنجازا شخصيا لبنيامين نتنياهو.
يظهر هنا استدراك مهم مفاده أن تلك الاتفاقيات أتت نتيجة ظروف لا يتحمل نتنياهو مسؤوليتها فقط، فالمواجهة مع إيران بتصويرها عدوا مفتعلا، والسياسة الأمريكية الانفصالية التي دفعت دول الخليج للمطالبة بـ"إسرائيل" حليفا قويا أمام الإيرانيين، دوافع أساسية لذلك، رغم الشكوك بأن ينجح رئيس وزراء إسرائيلي آخر في القيام بذلك، نظرا للسمات الشخصية الخاصة بنتنياهو.
يظهر الإسرائيليون أن اتفاقيات هذه المرة، بعكس أوسلو ووادي عربة، هناك مبرر كامل للإعجاب بعبارة "شرق أوسط جديد"، ليس فقط لأننا لسنا أمام دولة واحدة معنية بإقامة علاقات مع "إسرائيل"، بل لأنها كتلة كاملة من الدول، التي لا تشترط الاتفاق على حل القضية الفلسطينية، وعندما هنأ نائب وزير خارجية الإمارات الإسرائيليين بالعبرية بعام جديد، شكلت لحظة حقيقية ومثيرة، وبدت حتى وقت قريب مستحيلة.
الغريب أنه طالما كان استقبال "إسرائيل" في المنطقة أحد الأهداف الرئيسية للمشروع الصهيوني، وهو بالتأكيد أولوية قصوى لسياستها الخارجية، لأن صراعها المستمر مع الفلسطينيين والعرب استنزف منها ثمنا بشريا واقتصاديا باهظا، مما حال دون استخدام الموارد للتعامل مع قضايا داخلية ثقيلة، وجعل كل إسرائيلي ومحب لها في العالم يتساءل: هل ستبقى هذه الدولة الصغيرة المحاطة بأعداء يسعون لتدميرها، فترة طويلة؟
في المقابل، فإن ما يمكن اعتباره إنجازا إسرائيليا من خلال التطبيع مع عدد من الدول العربية، يدفع الإسرائيليين في الوقت ذاته للحذر من الانخراط في الصراعات القبلية العميقة وطويلة الأمد، التي أصبحت متطرفة، لدرجة تنذر بخطر التفكك الداخلي في "إسرائيل"، حتى لا يتحول ربيع علاقات "إسرائيل" مع دول الخليج إلى شتاء تفكك داخلي، كما رأينا في السنوات الأخيرة في بعض المدن الإسرائيلية!