منذ العقدين الأخيرين حدث التحول الفعلي في المقاومة الفلسطينية، حيث شهد عام 2000 انطلاقة الانتفاضة الثانية المسماة انتفاضة الأقصى، والتي بنت مسيرتها على درب طويل من الشهداء والمقاومين، وأبرزه ظهور المقاومة المنظمة التي تعمل وفق منظومة وهدف محدد من داخل فلسطين.
لعل ما حققته انتفاضة الأقصى كثير لكن التركيز على العمل المقاوم المسلح هو الأبرز خاصة في قطاع غزة الذي بات يمتلك قوة عسكرية فلسطينية تضاهي الجيوش النظامية، ونجح في الصمود والبقاء وتجاوز محاولات الاحتلال في إنهائه أو القضاء عليه، وتمرست خلال العقد الأخير على مواجهة الصعاب، وتمتلك عمقًا شعبيًّا داعمًا.
ولعل ما تحقق من انسحاب الاحتلال عام 2005 من قطاع غزة كان ثمرة العمل العسكري المقاوم، وفي الوقت نفسه أثبت أن مشروع المقاومة هو الأمثل لتحرير الأرض، في حين فَشِل مشروع التسوية الذي تبنته منظمة التحرير، وما زال شعبنا الفلسطيني يدفع ثمن مشروع التسوية، وقد وصل بعض ممن قاد المشروع إلى تلك النتيجة، لكنهم لا يستطيعون الانسلاخ عنه نتيجةً للاتفاقيات التي أحكمت قبضتها عليهم.
امتلاك القوة هو السبيل الوحيد لمقاومة ومواجهة الاحتلال، حيث يقر الاحتلال بأنه قد فشل في التعامل مع قطاع غزة، سواء في الحروب الثلاث التي شنها على قطاع غزة خلال العقد الأخير، أو سياسة العصا والجزرة لمحاولة فض الحاضنة الشعبية من حول المقاومة وتركها وحدها في الميدان بما يعرف بسياسة الاغتيالات المعنوية.
انتفاضة الأقصى بمراحلها العدة دمجت بين المقاومة الشعبية كما حدث عند انطلاقتها عام 2000 أو خلال العامين الأخيرين كما الحال مع مسيرات العودة، لكن بينهما نشأت وترعرعت المقاومة المسلحة وقوي عودها، وأصبحت قادرة على ردع الاحتلال، في قطاع غزة، ويمكن أن يحدث في الضفة الغربية، في حال وقف سياسة التنسيق الأمني، ووقف ملاحقة المقاومين، ولعل المسلح في الضفة لا يقل عن قطاع غزة، وأثبت قدرته على الضرب في عمق الاحتلال كما الحال في العمليات الاستشهادية في مدن الاحتلال أو المستوطنات وعلى شوارع الضفة الغربية.
وتميزت الضفة كما غزة بالعمل المقاوم الفردي كما حدث في انتفاضة القدس منذ عام 2015، واستخدام الطعن والدعس لجنود الاحتلال والمستوطنين، وهو المتبع خلال العقد الأول من انتفاضة الأقصى.
جمعت انتفاضة الأقصى بين العمل المقاوم المسلح والعمل الشعبي، وبين العمل المنظم والفردي، وبين غزة والضفة وفلسطين المحتلة عام 1948، فيما يمكن أن يسمى تكامل العمل المقاوم، وهو بمثابة التحول الفعلي في الصراع مع الاحتلال نحو بناء مقاومة مسلحة وشعبية داخل فلسطين، وهو مدعوم من القوى الحية شعبيًّا وإسلاميًّا تساعدهم في محاصرة الاحتلال، أما توابع التطبيع ومسيرات التسوية بين الاحتلال وبين بعض الأنظمة، باعتباره ارتدادًا عربيًّا رسميًّا عن دعم القضية الفلسطينية، فهذه الأصوات تبدو ضعيفة ومعزولة عربيًّا وإسلاميًّا، مقابل قوى شعبية وهيئات داعمة للقضية الفلسطينية وتمثل فلسطين قضيتهم الأولى.