لا يمكن الفصل بين تأخر رواتب موظفي الأونروا في قطاع غزة هذا الشهر، وبين تشديد الحصار على قطاع غزة من جهة، وتصفية عمل الأونروا كمقدمة لتصفية قضية اللاجئين من جهة أخرى.
تصفية قضية اللاجئين هي الأعقد من كل قضايا الحل النهائي، وتصفيتها تبدأ بالتضييق المالي على مؤسسة الأونروا التي اقترضت عشرة ملايين دولار من الأمم المتحدة لدفع رواتب الموظفين عن شهر أيلول، كما ذكر ذلك مدير عمليات الأونروا في غزة ماتياس شمالي، والذي لوح بعدم صرف رواتب الموظفين للأشهر القادمة لعدم توفر المال الكافي، بل وضع الموظف الدولي احتمال صرف نصف راتب لعدد 13 ألف موظف في قطاع غزة، ليتقاضى في هذه الحالة كل موظفي قطاع غزة نصف راتب تقريباً، وتتحقق المساواة بين موظفي حكومة رام الله، وحكومة غزة، وموظفي الأونروا، والذين ظنوا أنفسهم تحت رعاية المنظمة الدولية، وفي منأى عن الضائقة المالية، والإجراءات العقابية، وتأخر الراتب.
إنه الحصار الذي يبدأ من غزة، والتجويع المنظم، فموظف الأونروا لا يصرف على نفسه وأسرته فقط، وإنما يصرف على أخيه، وأبيه، وأخته، وربما على بعض أقربائه، فدورة مال موظفي الأونروا تخفف المعاناة عن سكان قطاع غزة، لذلك فإن القرار الأمريكي الصادر سنة 2018، والقاضي بوقف تمويل الأونروا بدأ يعطي ثماره عوزاً، وبدأت المعاناة تظهر بعدم توفر المال لصرف الراتب، أو لصرف نصف راتب، وهذا المخطط له علاقة قوية بحصار غزة، وتركيع أهلها، كخطوة أولى على طريق التصفية النهائية لقضية اللاجئين، وذلك بإنهاء عمل الأونروا، وإلغاء التفويض الذي منحته لها الجمعية العامة للأمم المتحدة قبل سبعين عاماً.
وتحسباً لانفجار الوضع، وتفادياً لمشاكل إنسانية قد تنجم عن التضييق المالي لمؤسسات الأونروا، وضع معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي عدة تصورات لتصفية قضية اللاجئين بأمن وهدوء، ودون ردة فعل سلبية، ومنها:
أولا: إنشاء منظمة بديلة عن الأونروا، تحمل أي اسم كان، هدفها تقديم خدمات إنسانية لسكان قطاع غزة والضفة الغربية، ولا تشترط لمن يتلقى الخدمة أن يكون لاجئاً، من هنا فإن زيادة عدد المنتفعين من وزارة الشؤون الاجتماعية قد يكون مخرجاً، أو في إنشاء أي جسم دولي مشابه، يسهم في تقديم المساعدات.
ثانيا: يترافق مع إنشاء المنظمة البديلة تغيير جذري في تعريف وضع اللاجئ، فاللاجئون المسجلون لدى الأونروا قبل سبعين عاماً كان عددهم 700 ألف لاجئ، بينما اللاجئون الفلسطينيون المسجلون سنة 2020 بلغ 5.5 ملايين لاجئ، وهنا يصير تجديد الأهلية لمن له الحق في الحصول على الدعم من قبل المنظمة البديلة.
ثالثا: الحل البديل لقضية اللاجئين، وهو التوطين حيث يقيمون، ويتحقق ذلك من خلال قيام الدول العربية المطبعة مع إسرائيل بمنح الجنسية لكل فلسطيني يقيم على أراضيها، وإعطائه حق المواطنة، ليقطع علاقته بأرض اسمها فلسطين، مع العمل على تشجيع هجرة الفلسطينيين إلى الدول الأوروبية، وتجنيسهم حيث يتواجدون، وفي ذلك حل جذري لقضية اللاجئين، وتصفية للقضية الفلسطينية بشكل عام.
المخطط الإسرائيلي المدعوم من الإدارة الأمريكية نافذ في المنطقة نفاذ السكين في قطعة الجبن الطرية، ولا يمكن إيقافه بالشعارات والاستنكار والانتظار، لا بد من موقف فلسطيني موحد على كل الجبهات، وفي كل أماكن تواجد الفلسطينيين في الأردن والضفة ولبنان وغزة، الصرخة الموحدة مرعبة، ومزعجة للمخطط، والحراك الواسع الرافض لتقليص خدمات الأونروا قد يكون مادة التلاقي الأولى، وهي نقطة الانطلاق القابلة للتمدد، والأمر بين يدي الشعب الفلسطيني.