سبعة أَشْهُر ويزيد قليلاً، بذلت فيها الأجهزة الحكومية المختلفة جهوداً حثيثة وجبارة لمنع دخول فايروس كورونا (Covid-19) إلى قطاع غزة، وقد نجحت في ذلك نجاحاً أُشير إليه بالبنان، على الرغم من ذلك كانت معظم التوقعات تُشير إلى أن اجتياح هذه الجائحة ما هو إلا مسألة وقت، وفعلاً هذا ما كان، فَقَبْل ما يزيد عن شهرٍ تقريباً تم الإعلان من قِبَل الجهات المختصة عن اكتشاف أول حالة مُصابة بالفايروس في قطاع غزة، وتلا ذلك فصلٌ وعزلٌ لمحافظات قطاع غزة عن بعضها البعض لحصر ومنع انتشار هذا الفايروس، ولا زالت الجهود حتى اللحظة تُبذل لكبح جِماح انتشاره على أمل القضاء عليه وتطهير القطاع منه.
لا يخفى على أحد كيف ألقت هذه الجائحة بظلالها على مناحي الحياة المختلفة، فهي أبعدت العامل عن مكان عمله، والأستاذ عن جامعته، والمعلم عن مدرسته، والطالب عن مقعد دراسته، وقد توقفت عجلة الحياة اليومية – التي لم تكن تروق للبعض لروتينيتها- عن العمل، فأصيب الاقتصاد في مَقْتَل، والتعليم تشتت أركانه، وتمزقت أواصر القُربى إلا قليلاً، فقد أضحت هذه الجائحة محنةً على البلاد والعباد، عافانا الله وإياكم من شرورها، وأخرجنا منها سالمين غانمين.
التزام المنزل وعدم مغادرته، كان من أبرز المظاهر التي نشأت في وقت انتشار (كورونا)، وذلك حفاظاً على الأرواح البشرية من الإصابة بذلك الفايروس، ما نَتَجَ عنه فائض كبير من الوقت لم يُحْسِن كثيرٌ من الناس استغلاله، لكنْ في المقابل هناك من أَحْسَنَ وأجاد في استثمار ذلك المَوْرِد الثمين (الوقت) من خلال الاستفادة من المنصات الإلكترونية المختلفة التي تُقَدَّم في جانب منها خدمات التدريب الإلكترونية، وفي جانب آخر تُقَدَّم خدمات العمل عن بُعد، وكثيرٌ من أولئك نجح في تحويل تلك المحنة لتغدو منحة يستفيد منها شخصياً، ومن ثَمّ يكون رافعاً وداعماً لاقتصاد وطنه.
يحضرني في هذا السياق قصة نجاح لإحدى الأمهات -ربة منزل-، وقد التقيتها في أحد الأنشطة التدريبية التي كُنت قائماً على تنفيذها العام الماضي، فَعَلِمتُ منها أنها تحمل مؤهلاً علمياً في تخصص اللغة الإنجليزية، وقد شَاركتْ في العديد من الدورات الإلكترونية التي لها علاقة مباشرة بتخصصها وقد اجتازتها بنجاح، وفي مسار متوازٍ التحقت بدورات تدريبية إلكترونية تختص بتنمية المهارات التسويقية والعمل الإلكتروني عن بُعد في مجال الترجمة، وبعد اجتيازها لتلك الدورات التدريبية بنجاح، بدأت بالعمل على المنصات الإلكترونية التي تُقَدِّم خدمات العمل عن بُعد، ونجحت في تشبيك علاقات عمل مع العديد من المؤسسات والشركات المحلية والخارجية؛ من أجل تقديم خدمات الترجمة المختلفة لهم، وقد أثبتت وجودها على تلك المنصات لجودة الخدمة التي تُقدمها، وقد أصبح هذا العمل يُدِرُ عليها دخلاً لا يَقِل عن الخمسمائة دولار شهرياً وهي تعمل من المنزل فقط!!
في المقابل تجدُ اليوم كثيراً من الشباب والفتيات العاطلين عن العمل، وترى خريجي الجامعات، قد اصطدمت آمالهم وأحلامهم وطموحاتهم بالواقع الاقتصادي المرير في قطاع غزة وسوق العمل المُتشبِّع عن بِكْرَة أبيه، وهم يحتجُّون بذلك الواقع الذي لا يُمكن مواجهته ومُجابهته، فَفَضَّلوا الركون والخضوع له وانتظار برنامج تشغيلٍ مؤقت هنا أو هناك بين الفينة والأخرى -هذا إن وصله الدور- لكن قلّما تجد من يُفكر منهم خارج الصندوق في كيفية استثمار مهاراته المختلفة ومعارفه العلمية، والاستفادة من الدورات المختلفة التي تُقَدِّمُها منصات التدريب الإلكترونية اليوم، ومن ثم الانخراط في سُوق العمل عن بُعد الذي أصبح مفتوحاً على مصراعيه لمعظم التخصصات، ويُمكن أن يستوعب أصحاب المهارات والقدرات المختلفة، ممن يمتلكون النية والقدرة على تحويل الابتلاءات المُختلفة لتمسي نِعَماً بفضل من الله تعالى ومنة.
إذاً ما السبيل إلى ذلك؟ النية الصادقة، والعزيمة الوثَّابة، والصبر على تلقي العِلم وتحصيل المعارِف، واقتناص المهارات هي البداية، ومن ثمَّ دراسة احتياج سوق العمل عن بُعد بما يتوافق مع ميول ورغبات وتخصص كل واحدٍ فينا، إذ يُمكننا الاستعانة بأحد المُرشدين أو المُوجهين في التسويق الإلكتروني أو أحد ريادي تطوير الأعمال ذي الخبرة في هذا المجال، يلي ذلك التركيز في الدورات الإلكترونية اللازمة لتنمية المهارات في المسار المطلوب، ويُمكن الوصول إلى العناوين الإلكترونية لتلك المنصات من خلال البحث عن (منصات التدريب الإلكترونية) باستخدام محركات البحث المعروفة، مثل محرك البحث الشهير Google، وفي نتائج البحث سيتم استعراض عشرات المنصات الإلكترونية -العربية والأجنبية- التي تُقَدِّم خدمة التدريب الإلكترونية في الكثير من المجالات والميادين، وعليه يقوم كل منا بتحديد ما يلزمه من دورات متخصصة بناءً على مسار العمل الذي تم تحديده سابقاً -ليس بالضرورة أن نتفق جميعاً في نفس الدورات التي سنلتحق بها-، وبعد اجتيازنا لتلك الدورات بنجاح وقد استثمرناها بفاعلية وكفاءة، نبدأ بالتسويق لأعمالنا والخدمات التي يُمكننا تقديمها عبر منصات العمل عن بُعد، ومن ثَمَّ التشبيك مع الجهات ذات العلاقة للبدء في بناء مشروعنا الخاص، الذي سنتعهده بالرعاية والتطوير وبذل الوقت والجُهد في سبيل الارتقاء به.
ختاماً، من كانت بداياته مُحرقة، حتماً ستكون نهاياته مُشرِقة، إذ إن المطلوب منا التوكل على الله عز وجل حَقَّ التوكل، والصبر ثم الصبر ثم الصبر، فلا تستعجلوا قطف الثمار وحصد النتائج سريعاً، بل علينا التَمَهل حتى ينمو وينضُج مشروعنا من أرض المِحْنَة وتمتد أغصانه الوارفة لِمَدَيَّات بعيدة، ومن ثَمَّ يتساقط ثمر المِنْحَة الذي سيعود بالنفع علينا وعلى مجتمعنا، والله نسأل أن يحفظنا وإياكم وأحبابنا من شر هذه الجائحة وأن يخرجنا منها سالمين غانمين.