تعددت ردود أفعال المواطنين تجاه حذف شركة جوجل دولة فلسطين عن خرائطها، فضجت مواقع التواصل الاجتماعي بمنشورات لخوفهم من تذويب القضية الفلسطينية، وطمس معالم الخريطة على أرض الواقع وفي العالم الافتراضي، فكان ذلك الشرارة الأولى التي دفعت شابا وشابة لأن يتخذا موقفًا فعليًّا وفق قدراتهما بإطلاق مبادرة "دزداني" لترسيخ الهوية الفلسطينية تحت عنوان: "كي لا تنسى"، إذ ابتكرا أحجية لترسيخ صورتها في أذهان الأجيال الجديدة.
رامي جبارة (34 عامًا)، من مدينة قلقيلية، درس تصميم جرافيك، واستثمر ذلك في تأسيس المشروع الخاص بالتجارة الإلكترونية، الذي يسعى لتوصيل منتجات عربية متنوعة تعزز ثقافة الأوطان في كل مكان، وسينطلق قريبًا.
وشريكته في المبادرة التي جمعها به العمل التطوعي آيات عثمان (٣٤ عامًا) من قضاء الخليل، عضو في جمعية راجع للعمل الوطني.
يقول لصحيفة "فلسطين": "طرحنا منتجنا الأول استجابة لحذف شركة جوجل فلسطين عن خرائطها، إذ عملنا على تصميم وتنفيذ خريطة فلسطين قبل الاحتلال الذي يحاول محوها بكل الطرق، وبذلك يكبر الجيل الجديد جيل الآيباد وجوجل فلا يجدون أمامهم سوى خريطة لما تبقى من فلسطين، ومن هنا جاءت فكرة عمل "بازل" لترسخ الخريطة أكثر، وسيلة تعليمية، خصوصًا مع وجود الحظر الشامل والحجر المنزلي وانتشار game boards انتشارًا واسعًا".
وقد قاما بتجربة تصاميم متعددة حتى وصلا إلى الشكل الحالي للخريطة الذي لاقى استحسانًا ورواجًا لدى الناس، فبمجرد تركيبهم الخريطة أصبحوا أكثر قدرة على تخيل أماكن المدن ومساحاتها وعلاقاتها، "ما في أحلى من أنه الناس تلعب وتتعلم بنفس الوقت".
وعن فكرة المبادرة يتابع جبارة حديثه: "مع الأحداث المتسارعة التي نمر بها ومحاولة طمس معالم القضية الفلسطينية فكرنا بأنه علينا فعل شيء يعزز الهوية الفلسطينية ويجعل الجيل الجديد يعرف أكثر عن فلسطين، فصممنا خريطة فلسطين على شكل "البازل" (أحجية)، لأنها أداة تسلية، ولتصبح أداة تعليمية، وجعلنا قطع الأحجية بشكل المحافظات الحقيقية لفلسطين قبل الاحتلال؛ فبمجرد أن تعيد تركيب القطع ستتعلم الكثير عن فلسطين: محافظاتها، وحدودها ومساحات المدن، وستطبع في ذاكرتك ولن تنساها أبدًا بعدها".
وقبل اعتماد الشكل النهائي جربا تصميمات من خامات مختلفة من ورق وكرتون، لكن في النهاية اعتمدا أن تكون خشبية حتى تدوم وتبقى كتحفة فنية أيضًا تحتفظ بها الأسر.
دزداني Dozdani هي كلمة عربية تنحدر من اللهجة الفلسطينية العامية، ومعناها المحفظة المطرزة التي كانت تتفنن السيدات الكبار بتطريزها بخيوط من الحرير والخرز والقصب، يتذكر الفلسطينيون الذين نشؤوا في جميع أنحاء العالم أن والديهم يشيرون إلى المحافظ على أنها "دزداين" لتعزيز الهوية الفلسطينية للخريطة.
أما تسمية "كي لا تنسى" فهذا هو الأساس لفكرتهما، إذ راهن الاحتلال على أن الآباء يموتون والأبناء سينسون، وهذه الخريطة تزيد من ارتباط الفلسطيني بأرضه كي لا ينسى.
ويبين جبارة أنه بعد طرحهما خريطة فلسطين على شكل "بازل" قد لاقت رواجًا واسعًا، ما دفعهما لطرح مسابقات تعريفية عن فلسطين عبر حساباتهما في مواقع التواصل ليشارك فيها المئات دوريًّا، ويقوم كل من يقتني الخريطة بتصوير وتوثيق تعليم أطفاله من طريق اللعب اليومي.
ويضيف: "كنا نظن أن الخريطة على شكل "بازل" مناسبة للأطفال، لكن تفاجأنا بأن من ركبوها واستمتعوا وتعلموا منها من مختلف الأعمار، إذ يتجمع الأحفاد حول أجدادهم ليحدثوهم عن يافا وطبريا قبل الاحتلال".
ما ينعش قلبهما وصول ردات فعل إليهما أقل ما يقال عنها رائعة، فيصل إليهما فيديو لأم وابنها وهي تعرفه فلسطين ومدنها، والمدينة التي ينحدر منها أجداده، إلى جانب الرسائل والتعليقات اليومية عبر الصفحة الخاصة بالمبادرة، والجميل أن بعضًا صححت لديه بعض المعلومات الخطأ وتعرف إلى مدن فلسطينية جديدة وأين تقع على الخريطة.
"وتصل إلينا أحيانًا اتصالات من جدات يرغبن بإهداء أحفادهن لكي لا ينسوها وتكون أمام عيونهم ومحفورة في قلوبهم، وما يقشعر بدني هو تحمس بعض المغتربين لاقتنائها" يقول جبارة.
ويشير إلى أنهما يحاولان في المدة الحالية أن يصلا إلى أكبر عدد ممكن من الناس لأجل إيصال فكرة المبادرة، وطرح المنتجات الجديدة، كخريطة تجمع الأردن وفلسطين معًا، على شكل "بازل"، لتعزز قيمة التآخي والتصاق الحدود والمصائر، كما أنهما في المدة المقبلة يعملان على طرح جديد يحمل مدنًا وقرى فلسطينية بشكل تفصيلي أكثر.
أكبر المشاكل التي واجهتهما سببها الظروف الاستثنائية التي يمر بها العالم، وهي أزمة كورونا، ولكن "التحدي الأكبر لدينا هو نشر الفكرة لتصل إلى كل فلسطيني في الداخل والخارج".
ويطمحان إلى أن يكون لهما دور في تعزيز الهوية الفلسطينية بابتكار وسائل أكثر لتعريف الجيل الحق الفلسطيني الضائع، والمساهمة في بناء ثقافة العودة.