يقول المثل الشعبي: إذا غضب الله على نملة، جعل لها جناحين تحلق بهما بعيدًا عن الواقع، فتصير طعامًا للطيور!
لدولة الإمارات العربية نبتت أجنحة، أحد هذه الأجنحة يرفرف بالموت فوق أرض اليمن، وآخر يقطر خرابًا على أرض ليبيا، وثالث يجنح بحركته فوق البحر، ويتدخل في مخزون الغاز شرق المتوسط، وجناح وصل بمساعداته إلى سد النهضة في إثيوبيا، وجناح يعصر حقده على السودان وآخر يفسد التراب في تونس ولبنان.
فمن الذي انتقل بدولة الإمارات من الخير المعلوم في زمن الشيخ زايد إلى الشر المجبول بالأحقاد في زمن ابنه محمد؟ من الذي حول الإمارات من أرض خصبة للعروبة إلى أرض قاحلة وطنيًّا؟ من الذي ورط الإمارات في كل قضايا وصراعات المنطقة، بعد أن جعلها محراكًا للشر، وجعل من مواردها سدًّا من الكراهية في وجه الربيع العربي؟ من الذي شكل من دولة الإمارات سُلمًا تصعد على درجاته الأطماع الإسرائيلية، وتهبط عن حافته أوبئة الانقسام والطائفية والتطرف الذي تفشى في بلاد العرب؟
دققوا في أسماء مستشاري ابن زايد، وما أكثرهم! ودققوا في أسماء الأقرب منهم إلى جهاز الموساد الإسرائيلي، وفكروا بكيفية تغلغلهم في مفاصل دولة الإمارات، حتى صارت لهم الكلمة العليا في كل شأن سياسي واقتصادي وحياتي في دولة كانت عربية، وكانت سندًا للقضية الفلسطينية، فلوى هؤلاء الدخلاء عنقها، وبعد أن كانت الإمارات فرسًا تسابق الخيل في مراعي الكرامة، جعلوا منها بغلة تحمل وزر المؤامرات والخيانة والتطبيع مع عدو العرب.
إنه جهاز الموساد الإسرائيلي الذي يعيث فسادًا في أكثر من مكان في بلاد العرب من خلال شخصيات عربية، تعرف عليها بعد أن درس سلوكها جيدًا، وفهم طبعها، فقدم لهم خدمة، وأبدى الاستعداد لأن يكون لهم عونًا تحت كل الظروف، أعطاهم الثقة بأنفسهم، وزودهم بالمعلومة التي مكنتهم من بيعها أو استثمارها، وزودهم بالمال اللازم لشراء الأزلام، التي سنت الأقلام، لتعظم من شأن الأقزام، وفتح لهم الأبواب المغلقة، وجعل منهم سادة وأمراء وشخصيات مجتمع، يصولون ويجولون بمعلوماتهم الاستخبارية، يسقطون هذا، ويقتلون ذاك، ويعتقلون الآخر، ويدهم فوق الجميع، ومن خلفهم جهاز الموساد الذي يفتح عينيه على تفاصيل الحياة على الأرض العربية، وأمامهم أكذوبة محاربة التطرف، وتحقيق السلم المجتمعي، والحرص على مصلحة الأمة، واللحاق بدرب الحضارة والارتقاء بالاقتصاد الوطني، وتطوير حياة الناس.
في السنوات الأخيرة أدرك قادة إسرائيل أهمية جهاز الموساد، فرفعوا ميزانيته بشكل لافت، حيث صارت ميزانية جهاز الموساد والشاباك معًا عشرة مليارات شيكل، ولكن، هناك مبالغ إضافية سرية ستقدم لجهاز الموساد، ولا سيما بعد تكليفه بالمزيد من المهمات الخارجية، ويدعي يوسي كوهين رئيس الموساد أن جهازه يستطيع تنفيذ عمليات في أي دولة في العالم، وفي أي وقت! (هآرتس 24/8) ولهذا رفع نتنياهو من شان الموساد، وتم تكليفه بمتابعة ملف توقيع الاتفاق مع الإمارات، رغم غضب وزارة الخارجية.
قبل سنوات، كنت في سجن نفحة الصحراوي حين قرأت في صحيفة يديعوت أحرونوت العبرية لقاءً أجراه مراسل الصحيفة في مصر العربية مع "عشماي" وكان محور اللقاء يدور عن أغرب حالة إعدام نفذها، وما زال مندهشًا منها، فقال عشماوي: إنها حالة الفتاة المصرية "هدى سليم"، فتاة مصرية ذهبت إلى فرنسا للدراسة، فصارت جاسوسة للموساد الإسرائيلي، وقدمت لإسرائيل خدمات عسكرية تتعلق بصواريخ سام "6" لم تخطر في بال الموساد الإسرائيلي الذي رتب لها استقبالًا رسميًّا مع رئيسة الوزراء الإسرائيلية "جولدا مائير".
لقد سيطر الموساد الإسرائيلي على عقل الفتاة المصرية بالمطلق، وأوحى لها بأن إسرائيل قادرة على كل شيء، وأن للموساد الإسرائيلي قدرات خارقة، ولا تحول بينه وبين تحقيق أهدافه قوة على وجه الأرض، لقد سحرت "هدى سليم"، وذابت هدى في هوى الموساد.
يقول "عشماوي": عندما صدر حكم الإعدام بحق الفتاة "هدى سليم" ذهبتُ لمقابلتها في السجن، وأبلغتها بأنني "عشماوي" الذي سينفذ فيها حكم الإعدام، فضحكت، وقالت: لا يا "عشماوي"، لن يسمح لك الموساد الإسرائيلي بتنفيذ المهمة، فاستغربت من ثقتها، وعدم خوفها، وذهبت إليها قبل تنفيذ حكم الإعدام بعدة أيام، وذكرتها بموعد تنفيذ حكم الإعدام، فضحكت ثانية، وقالت بكل ثقة، لن يتخلى عني الموساد الإسرائيلي يا "عشماوي"، فازداد اندهاشي، إلى أن جاء اليوم الموعود، ووقفت أمام الفتاة، وحبل المشنقة يتدلى، فنظرت إلى مبتسمة، وقالت: لن تستطيع يا "عشماوي"، الموساد الإسرائيلي لن يتخلى عني، وضعت حبل المشنقة حول عنق الفتاة المصرية "هدى سليم"، وهي تهز رأسها، وتقول لا، لن تستطيع شنقي يا "عشماوي"، نفذت حكم الإعدام والفتاة تهز رأسها، وتقول: لا، لا، لن تستطيع شنقي يا "عشماوي"، لن يتخلى عني الموساد الإسرائيلي، ولن يتركني للموت!
فمن الذي أوقع محمد بن زايد في شرك الموساد الإسرائيلي؟ وأوحى إليه بعظمة إسرائيل، حتى أمسى مقتنعًا بأنها قادرة على كل شيء!