كي تكون الأمور أكثر وضوحا، نؤكد بداية على حقيقة أن الخيانة ليست مجرد وجهة نظر، وليس فيها قولان ولا تحتمل التأويل.. والخيانة «ليست خلافا في الرأي لا يفسد للود قضية». الخيانة خيانة، وتفسد في الود مليون قضية. واتفاق التطبيع بين محمد بن زايد ودولة الاحتلال، هو خيانة عظمى للشعب الفلسطيني وقضيته، وطعنة مسمومة في الظهر، يتحمل وزرها محمد بن زايد، والزمرة الحاكمة من حوله، وفئة قليلة ضالة من الفلسطينيين، ولا علاقة لها بالشعب الإماراتي المعطاء، الذي تحركت قواه الوطنية ضد التطبيع، والاتفاق ورفضت الخيانة. ومن حق الشعب الفلسطيني الرد بالأسلوب الذي يراه مناسبا ضد من يخونه، ويحاول بيعه وقضيته الوطنية وأرضه بثمن بخس، وليس من حق أحد، كائنا من كان، أن يلوم هذا الشعب الصبور الذي تحمل من «الأشقاء» ما لم يتحمله من الأعداء والتاريخ يشهد.
تغافلنا وتجنبنا التسرع في الرد على الخطأ الأول، الذي ارتكبته السيدة سهى الطويل بإقحام نفسها في قرارات سيادية فلسطينية ومصيرية، تمس صلب القضية الفلسطينية.
وغضضنا الطرف عن إعطاء نفسها الحق بالحديث باسم الشرفاء من الشعب الفلسطيني.. وهي تعرف جيدا أنها لا تتحدث إلا باسمها، بعد أن قطعت الوصل.. والشعب الفلسطيني لم ولن يخوّل أحدا بالحديث باسمه، سوى ممثله الشرعي منظمة التحرير الفلسطينية، أيا كانت ملاحظاتنا ومآخذنا عليها. وفشلت كل المحاولات من قبل، وسيكون مصير المحاولات الجديدة الفشل اليوم وغدا وكل يوم.
وسكتنا أيضا على التطاول على الشعب الفلسطيني، وتصنيفه بشريف وغير شريف، علما بأن العدو يعرف قبل الصديق حقيقة أن الشعب الفلسطيني هو شعب الشرفاء، باستثناء فئة قليل ضالة، عماها المال، والسيدة سهى الطويل تعرفها جيدا، ونحن كذلك.
وبذلنا جهدا كي نتغاضى عن الخطيئة، وليس الغلط، بإعطاء أول تصريح يصدر عنها بعد منشورها المرفوض على حسابها الشخصي في انستغرام، للتلفزيون الرسمي الإسرائيلي. والعذر الأقبح من الذنب تبريرها ذلك بــ"أن الحديث كان مجرد صدفة ولا أدري كيف". وإمعانا في ارتكاب مزيد من الخطايا، ظهرت على قناة «العربية» السعودية حول القضية نفسها.. ما يؤكد على أن في الأمر حملة منظمة يستغل فيها اسم الرئيس الراحل ياسر عرفات. والشيء بالشيء يذكر فإن عائلة الرئيس الراحل، وجّهت انتقادات حادّة لأرملته، ورفضت في بيان أن تكنّى باسم عرفات، وأرجعتها في التسمية إلى عائلتها السابقة (الطويل) على خلفية تصريحاتها الأخيرة لقنوات إسرائيلية وخليجية، هاجمت فيها القيادة الفلسطينية، وأيّدت اتفاق التطبيع.
ورفضت العائلة تصريحات سهى الطويل بحق القيادة السياسية للشعب الفلسطيني، جملة وتفصيلا، وأكدت على أنها لم تحصل على موافقة من عائلة عرفات للتحدث باسمها عبر وسائل الإعلام، واتهمتها باستغلال مكانة ورمزية الشهيد عرفات في ضمير ووجدان الشعب الفلسطيني. والخطيئة الأخرى وهي الأخطر، هي إقحام الدين في الامور السياسية.. لكن المحاولة فشلت فشلا ذريعا، لأن شعبنا أوعى من المتآمرين وأكبر من مؤامراتهم.. والمشاكل والانقسامات الدينية والطائفية السائدة في الدول المحيطة، ليست قائمة على الساحة الفلسطينية.. فالمسيحيون الفلسطينيون هم مكون أساسي من مكونات الشعب الفلسطيني، وعنصر أساسي في ثورته، وقدّموا الكثير من الشهداء، والأهم أن اثنين من عمالقة الثورة الفلسطينية المعاصرة هم من المسيحيين، وهما الراحل الدكتور جورج حبش، الذي أطلق عليه لقب حكيم الثورة، ومؤسس الجبهة الشعبية الفصيل الثاني في منظمة التحرير الفلسطينية، وكذلك نايف حواتمه، أطال الله في عمره، الأمين العام للجبهة الديمقراطية، ولا ننسى طبعا المطران الراحل كبوجي ونضالاته. إن المسيحيين الفلسطينيين منتمون لهذه الأرض المقدسة، وليسوا جزءا من حالة الانقسامات والمناكفات الفلسطينية الداخلية، ولا يجوز إقحامهم فيها.
وبالنسبة للتهديد بفضح فساد مسؤولين في السلطة، لا أدري لماذا السكوت عليها طوال هذه السنوات.. إن كان حقا لدى السيدة سهى معلومات تفضح مسؤولين كبارا فلتكشفها، على الرغم من أن الحديث عنها الآن يثير الشكوك حول الغرض من إثاراتها.. فإما أن تقدم ما لديها من ملفات في هذه القضية، وعن الجواسيس، أو تكف عن التهديدات التي لا تخدم إلا العدو الصهيوني والمطبعين.
إن ما أقدم عليه محمد بن زايد هو خيانة بحق الشعب الفلسطيني وقضيته، لا يُقبل فيها اعتذار.. إنه إعلان حرب على الشعب الفلسطيني، ويقف فيه وبشكل صارخ في صف دولة الاحتلال، التي تمارس القتل والاضطهاد اليومي، وسرقة الأراضي، وتهويد القدس والمقدسات والقائمة تطول.. وإذا كان بن زايد حرا في الانضمام إلى قائمة الخونة وبائعي الأوطان، لكنه ليس حرا في أن يقحم القضية الفلسطينية، لكي يبرر مخططاته الخيانية. وإن من حق الفلسطينيين أن يعبروا عن غضبهم ورفضهم لمخططاته، كما يشاؤون، وبالطرق التي يرونها مناسبة، وإن كنت لا أوافق على الدوس على علم الإمارات، فهو رمز سيادي ويجب أن نبقي إلى جانبنا، شعب الإمارات المعطاء والكريم، والداعم للقضية الفلسطينية، رغم الطغمة الحاكمة، وهو بأغلبيته لا يرضى عما أقدم عليه بن زايد، ولكن شأن شعب الإمارات كشأن كل شعوبنا العربية التي تعيش القهر والاضطهاد، على أيدي أنظمتها القمعية والاستبدادية والمخابراتية.
وقبل بن زايد أن يجعل من نفسه وكيلا للتطبيع مع دولة الاحتلال، ومروجا له في الدول أو المناطق، التي أصبح له فيها نفوذ وموطئ قدم، مستغلا ثروات الشعب الإماراتي مثل جنوب اليمن/ عدن والسودان، من خلال الجنرال عبد الفتاح برهان رئيس المجلس السيادي وليبيا خليفة حفتر. ويفتح بن زايد أمام دولة الاحتلال أبواب المنطقة على مصراعيها، وكما يقول المثل «أول الغيث قطرة» فهو سيحول جزيرة سقطرى في جنوب اليمن، إلى قاعدة أمنية متقدمة في المحيط الهندي لـ"إسرائيل"، كما هو الوضع بالنسبة لأبوظبي ودبي والبحرين في الخليج الفارسي، كما تسميه "إسرائيل".. وكل ذلك بذريعة مواجهة أو ردع إيران. وحسب الباحثين فإن وفداً من المخابرات الإسرائيلية الإماراتية، وصل إلى الجزيرة لاستكشاف مواقع مختلفة لقواعد استخباراتية، وإن كافة الاستعدادات اللوجستية لإنشاء قاعدة استخباراتية أصبحت جاهزة.
وأخيرا لم تحرك السيدة سهى الطويل ساكنا عندما تهجم المغرد الإماراتي حمد المزروعي المعروف بمغرد محمد بن زايد، الذي يحظى بحمايته ويتلقى أمواله، على أعراض مسؤولين فلسطينيين، من بينهم الرئيس عباس الذي تشيد به سهى، ومي الكيلة وزيرة الصحة، لرفضهما تسلم مساعدات طبية إماراتية «مغمسة بالتطبيع» وصلت إلى مطار تل أبيب استباقا للإعلان عن اتفاق التطبيع كما ظهر لاحقا، وتسيير رحلات الطيران من وإلى تل أبيب وابو ظبي.
وأختتم بما كشفه مغردون إماراتيون ومنهم، إبراهيم آل حرم عن معلومات متعلقة بوجود حسابات للفريق الأمني المتخصص في مهاجمة الرافضين للتطبيع مع دولة الاحتلال. وكتب يقول في تغريدة إن «فريقا مكونا من 300 شخص ميزانيته تفوق 25 مليون درهم، ووظيفته إعطاء شعور للمتابع بأنهم يمثلون شعب الإمارات، مضيفا «لا تظن أنهم شعب الإمارات». وقال في تغريدة أخرى، «أعزائي المرتزقة.. انتهى وقت التسلية في الردود عليكم، لأن خطابنا ليس معكم فأنتم أدوات أعانكم الله على شظف العيش وقسوة الحياة.. وإنما خطابنا مع سيدكم الذي علمكم التصهين وأمركم بالتطبيل».
وعلق مغرد اخر قائلا «كفيت ووفيت يا أخوي إبراهيم، خير من يمثل أبناء الإمارات الشرفاء، لأن المطبع لا يمثل إلا نفسه.. التطبيع خيانة». وكتب آخر «لو هم رجال يطلقون عنان الحرية لكل الآراء» عندئذ «سنرى أن 99% من شعب الإمارات ضد التطبيع». نعم التطبيع خيانة وليس خلافا في الرأي.. ومن يخوننا فليس منا ويعامل معاملة الأعداء.. وسيدفع ثمن خيانته إن عاجلا أو آجلا.