ثمانية عشر عاما، قضاها المعتقل الفلسطيني السابق، صلاح العواودة، في السجون الإسرائيلية، جعلته شاهدا على عذابات المعتقلين، وإنجازاتهم في ذات الوقت.
ففي البدء، كان المعتقلون الطرف الأضعف، والمستضعف، على الدوام، غير أنهم، تمكنوا عبر السنوات الماضية، من تحقيق العديد من الإنجازات، والتحول من صيغة "المفعول به"، إلى خانة "الفاعل"، حسب وصفه.
وفي لقاء مع الأناضول، يقول العواودة من مكان إقامته في مدينة إسطنبول التركية، إن "المعتقلين الفلسطينيين، استطاعوا عبر سنوات من النضال والصبر، انتزاع العديد من الحقوق، رغم التعنت الإسرائيلي".
ومكث العواودة، وهو من مواليد مدينة الخليل، جنوب الضفة الغربية، 18 عاما في السجون الإسرائيلية، حيث كان يقضي حكما بالسجن مدى الحياة.
وأفرجت عنه إسرائيل، ضمن صفقة "شاليط" التي أبرمتها مع حركة المقاومة الإسلامية "حماس" عام 2011، لكنها أبعدته إلى تركيا، ومنعته من العودة لمسقط رأسه.
*القمع بالقمع
يقول العواودة، إن المعتقلين، كانوا في البداية عاجزين عن الرد على انتهاكات إدارة السجون الإسرائيلية، إلا بالإعلان عن "الإضراب عن الطعام".
لكنهم اضطروا للجوء إلى سياسة "رد العنف بالعنف"، حيث قال موضحا: "عندما كنا نتعرض لعنف جسدي أو للضرب من قبل قوات الاحتلال، كنا نرد بنفس الطريقة فنسبب توترا كبيرا لمصلحة السجون".
ويضيف العواودة: "كانت إدارة السجون تضطر حينها إلى عقد تهدئة معنا، وعقد اتفاق، بألا يعتدي سجان على سجين ولا سجين على سجان".
ويردف: "بالتالي فرضنا معادلة ردع متبادل بين الأسرى والسجانين ومنعناهم من التعرض لنا بأذى".
ويشير العواودة، إلى أن "المعتقلين لجؤوا فيما بعد إلى ردع إدارة السجون عن الإساءة لذويهم، خلال فترة الزيارة".
ويقول: "عندما كانوا يعتدون على نساءنا قبل دخولهم إلى الزيارة، خلال عملية التفتيش، كنا نضرب السجان الذي قام بالاعتداء".
ويلفت إلى أن إدارة السجون كانت ترد بعنف وحشي ضد المعتقلين، لكنها في ذات الوقت أُصيبت بالقلق، وأُجبرت على "التوقف عن إيذاء أهلنا أثناء الزيارات، حيث توقفت الإهانات".
ويضيف: "فرضنا معادلة كرامتنا داخل السجون وكرامة أهلنا، ليس بسبب القوانين ولكن بمواجهة القمع بالقمع وكان هذا انتصار لنا".
* التواصل مع الجامعات
في بداية حقبة التسعينيات من القرن الماضي، سمحت إدارة السجون للمعتقلين باستكمال دراستهم عن بعد، في الجامعة العبرية (أقدم وأهم الجامعات الإسرائيلية).
وجاءت هذه الخطوة، عقب نضال طويل، خاضه المعتقلون من خلال الإضرابات عن الطعام.
لكن إدارة السجون، نكصت عن اتفاقاتها السابقة مع المعتقلين، وامتنعت عن السماح لهم بالدراسة، بداية القرن الماضي.
وكان العواودة من الذين تمكنوا من إكمال دراسة البكالوريوس والماجستير أثناء فترة اعتقاله، حيث اختار تخصص "الديمقراطية متعددة المجالات والعلوم السياسية".
وتطرق إلى تفاصيل الحياة الدراسية خلال "الأسر"، والتي يمكن تقسيمها إلى مرحلتين، الأولى: ما قبل تهريب الهواتف الخلوية للسجون، والثانية، بعد وصولها لأيدي المعتقلين.
يقول العواودة: "كنت من بين العشرات الذين استطاعوا الدراسة وتعلمت العبرية جيدًا داخل السجن، وانتسبت إلى الجامعة وأكملت دراستي حتى انتزعت شهادة جامعية من فم التنين".
لكنه يشير إلى أن "الدراسة كان قاسية للغاية، وصعبة جدا".
ويشرح العواودة:"كان الطلاب محرومون من طاولة توضع عليها الكتب، والدراسة بالمراسلة تعتمد على الكتابة اليدوية، فلا يوجد تصوير ولا طابعة ولا حتى مراسلة عبر البريد الالكتروني".
ويضيف: "الطالب في الأسر كان يكتب للجامعة أبحاث ورسائل من عشرات الصفحات بالخط اليدوي، ويضطر لكتابة نسخة احتياطية مخافة ضياع الأولى، ويرسلها إلى الجامعة فلا تصل، فيضطر إلى كتابتها من جديد، وكان ذلك عبئا هائلا".
لكن عملية تهريب الهواتف الخليوية إلى داخل السجون، سهلت عملية الدراسة، بحسب العواودة.
ويشير إلى أن "إدخال الهواتف، لم يكن بموافقة مصلحة السجون"، وإنما "رغم أنفها ومن خلال صراع أدمغة، ورغم وسائل التفتيش الشديدة والعقوبات المغلظة".
ويقول: "هرّبنا أجهزة هواتف، هذه الأجهزة سمحت لنا التواصل مع جامعات فلسطينية وداخل قطاع غزة نطلب منهم استكمال الدراسة وبالفعل كنا نراسلهم وعقدنا فصولاً دراسية داخل السجن عبر الهواتف النقالة".
ويوضح العواودة، إلى أن "بعض المعتقلين كانوا يناقشون رسائل الدراسات العليا كالدكتوراة والماجستير، عبر الهاتف، وكانت الفرحة عارمة عندما يحصل أحدهم على هذه الدرجة رغم كل هذه الظروف".
*الإضراب عن الطعام
ويتطرق الأسير الفلسطيني المحرر، إلى استخدام الإضراب عن الطعام، كوسيلة للضغط على إدارات السجون بهدف "تحصيل الحقوق".
ويقول: "البعض يظن أن الإضراب عن الطعام، مقاومة سلبية، لكنها كانت تتسبب بتوتر شديد وقلق لإدارة السجن".
ويشير العواودة، إلى أن "المعتقلين يخوضون تقريبا، إضرابا مفتوحا عن الطعام، كل عاميْن، يستمر أحيانا إلى عدة شهور".
وينوّه إلى أن فترة الإضراب عن الطعام، قاسية جدا على المعتقلين، لسببين، الأول هو الجوع والمرض، والثاني هي الإجراءات التي تتخذها إدارة السجون ضد الأسرى المضربين من نقل وتفتيش وعزل انفرادي وسحب كل الامتيازات والتي تصل لمصادرة حتى ملابسهم.
ويقول العواودة: "الإضراب فترة صعبة، تنتهك فيها كل حقوق الإنسان، ولكن مع هذا كان الأسرى يخوضون هذه المعركة رغم تبعاتها لأنهم كانوا يضغطون بها على إدارة السجن".
ويضيف: "كانت لحظات فك الإضراب لحظات احتفال وانتصار، لأن المعتقلين يكونون قد حققوا مطالبهم".
ويؤكد العواودة، أن "معركة المعتقلين مع إسرائيل، مستمرة ومفتوحة، وتزداد ضراوة، وتتطلب من الجميع دعمهم والتضامن المتواصل معهم".
وبدأ مئات المعتقلين، إضراباً مفتوحاً عن الطعام، الإثنين الماضي، مطالبين بتحسين ظروفهم المعيشية داخل السجون الإسرائيلية.
وتعتقل سلطات الاحتلال في سجونها 6500 فلسطيني، بينهم 57 امرأة، و300 طفل، حسب إحصاءات فلسطينية رسمية.
ويحتفل الفلسطينيون بـ"يوم الأسير" في 17 أبريل / نيسان من كل عام، وهو اليوم الذي أطلقت فيه إسرائيل عام 1974 سراح أول معتقل فلسطيني، وهو محمود بكر حجازي، خلال أول عملية لتبادل "الأسرى" بين الفلسطينيين والاحتلال.