لم تكتف بحفظها القرآن الكريم، بل أرادت أن تدفع طالباتها إلى حفظه أيضًا، لا سيما في أوقات فراغهن الناتجة عن التزام المنازل في إجراء وقائي من فيروس كورونا.
إيمانًا بأن كل الحياة يجب أن تكون خالصة لله، سارت وفق القاعدة القرآنية وأخذت بأيدي طالباتها بأن تكون صلاتهن ونسكهن ومحياهن ومماتهن لله رب العالمين، وأنه سيسأل المرء عن وقته فيم أفناه وشبابه فيم أبلاه، وضرورة استثمار قدرة الشباب والمراهقين على الحفظ لكون ذهنهم صافيًا وخاليًا من أعباء الدنيا، ولديهم قدرة فائقة على الحفظ.
إيناس حمودة معلمة اللغة العربية في مدرسة تل الزعتر تنظم العديد من دورات التجويد، وعملت محفظة مدة، أخذت على عاتقها مشروعًا لتحفيظ الطالبات القرآن الكريم كاملًا.
وبدأت الفكرة بعدما أتمت طالبات في المرحلة الثانوية حفظ جزء عم، فعملت على استثمار وجودها معهن بالمدرسة وتواصلها المستمر، بعد تردد محفظة من دار القرآن الكريم والسنة أسبوعيًّا إلى المدرسة لمتابعة المعلمات في التحفيظ.
تقول لصحيفة "فلسطين": "اقترحت عليها أن أتعاون معها وأن أعرض فكرة حفظ القرآن على الطالبات وأتابعهن".
وتبين أنها عندما عرضت الفكرة على الطالبات سجلت قرابة ٦٠ طالبة، بكامل إرادتهن، وكان حفظ جزء عم خلال الفصل الأول، وقد أتمت ٣٠ منهن حفظه وكرمن في نهاية الفصل الأول على الإذاعة المدرسية بالتعاون مع دار القرآن الكريم والسنة.
ولا تألو حمودة جهدًا في تحفيز طالباتها قبل الانخراط في الدرس اليومي، فقبل البدء في الحصة المدرسية تقتطع دقيقة أو دقيقتين للحديث عن الحفظ وأهميته، وتأتي بشواهد من أقوال العلماء على مكانة حافظ القرآن، ووهبت مصاحف للطالبات من فاعل خير، وقدمت هدايا رمزية، وأثنت عليهن دومًا في الإذاعة المدرسية.
وتضيف حمودة: "لا أنسى دور مديرة المدرسة الأستاذة بثينة المقيد لتشجيعها الدائم لي وللطالبات، وحثها لهن باستمرار، بالجلوس معهن، وأحيانًا عبر الإذاعة المدرسية والذهاب للفصول والثناء على الحافظات، وفي مدة الإجازة بالاتصال المستمر عليهن لتشجيعهن، ولا أنكر في الحقيقة الفضل يعود أولًا لله ثم لوالدي الأستاذ فتحي حمودة مدير قسم الكتب في وزارة التربية والتعليم سابقًا، وكان يعمل متطوعًا في دار القرآن والسنة في قسم القراءات، فلديه فضل كبير في تشجيعي ودعمي بسؤاله المستمر عن الطالبات وحثي على الاستمرار والمواصلة".
وبدأ المشروع في أكتوبر/ تشرين الأول من عام 2019م، وانتهت الطالبات من الحفظ في الثالث من سبتمبر/ أيلول ٢٠٢٠م، استغرقن أقل من عام، فكان ذلك دافعًا لطالبات أخريات ليتشجعن على الحفظ، وإخوتهم في البيت.
ومن التحديات خلال الدوام المدرسي وجود ضغط الحصص والتحضير، وقلة حصص الفراغ، وكذلك الطالبات لديهن حصص واختبارات وواجبات، وهذا يحتم عليها التوفيق بين التحضير للدروس، وتصحيح الاختبارات وغيرها من المهام، والتسميع الذي كان في حصص الرياضة وقبل طابور الصباح وأوقات الفسحة.
ثم جاءت جائحة كورونا وتعطل الدوام، تتابع حمودة: "استبدلنا بالتسميع وجهًا لوجه التسميع الإلكتروني الذي واجهنا به صعوبة بسبب وضع الكهرباء الصعب إلى جانب شبكة الإنترنت، فكنا نضطر إلى قطع الاتصال، وأحيانًا لا أسمع قراءة الطالبة فأطلب منها الإعادة والتكرار".
تأمل أن تتمكن من تطويره مع أنه استحوذ على جهدها وطاقتها، لكن حاليًّا مع عدم انتظام الدراسة ستكتفي بإضافة طالبات جدد للمشروع، وستستثمر الطالبات اللواتي أتممن حفظ القرآن كاملًا بالتسميع لطالبات أخريات، وبذلك تراجع الطالبة ما حفظته وتساعدها.
وفي الحجر المنزلي المفروض الآن تستثمر حمودة الوقت لمصلحة المشروع، إذ بدأت المراجعة من جديد مع الحافظات، والإكمال مع البنات الأخريات، وتوضح أنها تهدف إلى استثمار مدة الحجر بشيء مفيد.
وترجو من الأهالي أن يشغلوا أولادهم بما هو مفيد بدل الإنترنت والتلفاز والخوف من الفيروس ونشر الإشاعات بين الناس؛ فالمرء يسأل عن وقته وشبابه، وشتان بين من يستثمر وقته في حفظ كتاب الله وترتيل آياته العطرة، ومن هو لاهٍ على الأفلام والمسلسلات واتباع الهوى، لا يستوون عند الله.
وتطمح حمودة أن تتوسع فكرتها ولحاق الحافظات بدورات سند، وإضافة طالبات جدد، وأن تنتشر الفكرة بكل المدارس.