يبدو أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يصر على التأكيد للعالم وهو في الأيام المائة الأول من حكمه أن سياسات أمريكا الجديدة في إدارة العالم وحكمها للشعوب تغيرت، ولم تعد مثل السابق، وأن إدارته لقضايا ومشاكل العالم ستختلف عن إدارة الرئيس السابق باراك أوباما، التي كانت كذلك دمارًا للعالم والمنطقة العربية، حتى إن إدارة أوباما استخدمت آلاف القنابل والأسلحة في قتل البشر، وكانت إدارة أوباما من أكثر الإدارات الأمريكية بيعًا للسلاح إلى العرب، وربما القنابل التي ألقاها أوباما على العرب أكثر تأثيرًا من القنبلة الكبيرة المسماة "أم القنابل"، التي أمر ترامب أخيرًا بإلقائها على الكهوف والجبال في أفغانستان، بحجة حربه على التنظيمات "الإرهابية"، وتحديدًا تنظيم الدولة، وسياساته وخططه في القضاء على هذا التنظيم، لكن ليست هذه الرسائل من قنبلة بهذا الحجم.
وأرى أن السياسات الأمريكية الجديدة التي يروجها ترامب وفريقه الحكومي تمثل سياسة العصا الغليظة، وسياسة الصواريخ والقنابل الكبيرة، وتتمثل هذه السياسة بقيام إدارة ترامب بالتدخل الأحادي الجانب في سوريا، وتوجيه ضربة عسكرية سريعة إلى قاعدة الشعيرات في سوريا، التي قصفت بعدد (59) صاروخًا من طراز (توماهوك) في مدة لا تتجاوز خمس دقائق، وأمر ترامب بإلقاء أكبر قنبلة غير نووية (أم القنابل) على الكهوف في أفغانستان في إطار حربه على تنظيم الدولة، ألقيت هذه القنبلة خلال تناوله طعام العشاء مع الرئيس الصيني، وهي رسالة إلى الرئيس الصيني بالقوة الأمريكية، ثم التحركات العسكرية الأمريكية لكبح جماح كوريا الشمالية وإيقافها عن مواصلة تجاربها الصاروخية النووية، والتهديد بحرب عالمية ثالثة، ثم إعطاء ترامب الضوء الأخضر للكيان الإسرائيلي لمواصلة جرائمه بحق شعبنا الفلسطيني، ومواصلة سرقة وتهويد الأرض الفلسطينية، كل هذه الأمور والقضايا العسكرية والسياسية ترسم لنا ملامح السياسة الأمريكية الجديدة في السنوات الأربع القادمة، وهي تتضمن سياسات الحرب والدمار، واستخدام العصا الدبلوماسية الغليظة في وجه المؤسسات الأممية في حال عدم الانصياع للقرارات الأمريكية.
بات من الواضح أن الإدارة الأمريكية الجديدة لن تترك المنطقة العربية لنفوذ روسيا، وغيرها من القوى الأوربية التي تنظر إلى مصالحها في العالم العربي، وأرسلت إدارة ترامب رسالة صغيرة بتوجيه ضربة جوية إلى قاعدة الشعيرات، وهي رسالة وصلت إلى الجميع بالسياسة الأمريكية الجديدة التي تجبر الآخرين على عدم التدخل دون الإذن الأمريكي.
وضمن السياسات الأمريكية الجديدة للتعرف من كثب إلى ما يجري في منطقة "الشرق الأوسط" توجه وزير الدفاع الأمريكي (جميس ماتيس) في جولة خارجية لزيارة مصر والسعودية وقطر وجبيوتي والكيان الإسرائيلي، وحسب ما أعلنه (البنتاغون) إن الزيارة ترمي إلى إعادة التحالفات الأمريكية الرئيسة والشراكات مع الشركاء الاستراتيجيين، ومناقشة جهود التعاون والتنسيق معهم لهزيمة التنظيمات "الإرهابية"، إن ما أعلنه (البنتاغون) عن أسباب الزيارة الأمريكية إلى الشرق الأوسط ليس هو الأساس، فلم تعلن الإدارة الأمريكية جدول الزيارة أو الأهداف، واكتفت بالحديث عن الزيارة بوجه عام، لكن حسب رأي المراقبين والمحللين السياسيين إن الزيارة هدفها الاستماع لهذه الدول، والتعرف إلى جهودها العسكرية في القضاء على "التنظيمات الإرهابية"، ورسالة أيضًا بالحضور الأمريكي الدائم والمتابعة الحثيثة لكل ما يجري في منطقة الشرق الأوسط، وستركز على شرح سياسة ترامب الحربية في الأشهر القادمة في مواجهة "داعش"، واستعدادها لاستخدام القوة العسكرية، على نحو أكبر مما قام به الرئيس السابق باراك أوباما.
إن إدارة ترامب أولت وزارة الدفاع الأمريكية اهتمامًا كبيرًا؛ فرفعت ميزانيتها بـ(54) مليار دولار لتحقيق أهدافها العسكرية، بالمقابل خفضت ميزانيات 18 وزارة، وذلك لضمن نجاعة السياسات العسكرية التدميرية الجديدة في العالم.
إن القارئ لعقل الإدارة الأمريكية الجديدة يشعر بانتهاجها سياسة جنون العظمة والكبرياء في التعامل مع أزمات العالم المتجددة دون حكمة أو عدل، وبهذا الجنون لا تفلح الإدارة الأمريكية بحل مشاكل وأزمات العالم المستعصية، بل ستزيد من الخراب والدمار في العالم.