قبل قراءة هذه السطور المخصصة لمحاولة تقديم قراءة إسرائيلية حول انتهاء جولة التصعيد في غزة، مهم ألا يدّعي أحدنا أنه يمتلك ناصية الحقيقة، فكل ابن آدم يؤخذ منه ويرد، إلا سيد الخلق محمد عليه السلام، والأكثر أهمية أن تتم قراءة هذه السطور، ومناقشتها بهدوء وروية، دون تشكيك وتجريح.
من الواضح أن جميع الفلسطينيين، لا سيما في غزة، ودوا أن يحصلوا على حقوقهم المشروعة بحياة كريمة، دون الحاجة لتوتر أمني، اضطرت له المقاومة، بعد تعنت الاحتلال في التجاوب مع الوسطاء المصريين والقطريين والدوليين.
صحيح أنه كان بالإمكان أفضل مما كان، وهو طموح يسعى له جميع الفلسطينيين، لأنه من حق الشعب الذي يعاني الأمرين التقاط أنفاسه، فقد صبر كثيرا، وتحمل ما لا يطيقه الآخرون، وثقتنا كبيرة في قيادة المقاومة أن لديها ذات الحرص على شعبها، وترى وتسمع وتعاين كل معاناته، وربما كان التوتر سيأخذ مديات أخرى لولا دخول الوباء لغزة، فكان يستحيل خوض معركتين على جبهتين في آن واحد: وباء كورونا داخليا، والاحتلال الإسرائيلي خارجيا!
لا بأس في هذه العجالة من تغذية راجعة نكررها دائما بعدم رفع السقف عاليا في الخطاب الإعلامي، قد يكون ذلك من أدبيات التفاوض لتحصيل ما يمكن، لكن الرأي العام، وهذا من حقه، يبني على هذه التصريحات الإعلامية.
من الصعب أن نطوي صفحة هذه القراءة دون أن نرى قادة الاحتلال الإسرائيلي، وقد "بلعوا تصريحاتهم"، وتراجعوا عن تهديداتهم، واضطروا مرغمين أن يستجيبوا لمطالب الفلسطينيين، خشية من استمرار البلالين، وليس الصواريخ، وهذا أمر له ما بعده على مستوى الردع.
بات معلومًا في العلوم السياسية والمواجهات العسكرية أنه في إطار المواجهات غير المتناظرة بين حركات المقاومة والجيوش النظامية، لا مجال لهزيمة العدو بالضربة القاضية، بل نقاط يتم تسجيلها بين جولة وأخرى، وبالمراكمة تظهر النتيجة.
ولأن العرب قديما قالوا "بالمثال يتضح المقال"، فقد خرجت الكثير من المواقف الإسرائيلية في الساعات الأخيرة المنددة بوقف التصعيد في غزة، على اعتبار أن ما حصل تراجع إسرائيلي أمام المقاومة، ويمثل انتكاسة لكل التهديدات التي صدرت عن المؤسستين العسكرية والأمنية تجاه غزة، لاسيما الحديث عن عدم الاستجابة لأي مطالب قبل طي ملف الجنود الأسرى والمفقودين، وهو ما لم يتم فعلا على الأرض..
المقاومة في هذه الجولة قدمت مطالبها عبر الوسطاء، ولم تفعل سوى أدوات بسيطة من مقاومتها الشعبية، واضطرت دولة الاحتلال "النووية" أن تتنازل أمام الفلسطينيين، صحيح أنها لم تستجب لكل مطالبهم، لكن المقاومة كسرت الفيتو الذي رفعته دولة الاحتلال في وجهها، بشهادة العدو والصديق والوسيط على حد سواء!