في 13 أغسطس من العام الجاري 2020م أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أن الإمارات و"إسرائيل" توصلتا إلى اتفاق سلام تاريخي يسمح للبلدين بتطبيع العلاقات بينهما، ويعد هذا الاتفاق هو الأول بين "إسرائيل" ودولة عربية بعد اتفاقات السلام الموقعة مع مصر والأردن ومنظمة التحرير الفلسطينية، وردًّا على الصفقة المشؤومة التي جرت بين محمد بن زايد ونتنياهو سارعت كل قوى وفصائل العمل الوطني والإسلامي في فلسطين إلى رفض وإدانة هذه الصفقة التي تعد مدخلًا من مداخل نسف القضية الفلسطينية وتذويبها.
بعد الإشهار الأمريكي لهذه الصفقة توالت المواقف العربية حيث كانت مملكة البحرين أول المرحبين بها وعدت أن هذا الاتفاق يعزز من فرص الوصول للسلام، من جهته ثمن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي هذا الاتفاق، كذلك رحبت وزارة الخارجية الأردنية بالاتفاق وقالت: إنه يعزز السلام في المنطقة، وأعلنت الخارجية السودانية تطلعها لتطبيع العلاقات مع دولة الاحتلال الإسرائيلي عبر توقيع اتفاق كالذي توصلت إليه الإمارات مؤخرًا، في حين اتسم الموقف السعودي بالتجاهل ظاهريًّا وفي الباطن مثمنًا الصفقة.
أما بالنسبة للموقف الدولي فقد صدرت العديد من المواقف التي ثمنتها، حيث قال رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون أن قرار الإمارات و"إسرائيل" بتطبيع العلاقات نبأ سار للغاية.
كذلك أصدرت وزارة الخارجية اليونانية بيانًا هنأت فيه الدولتين على اتفاقهما، ورحَّبت فرنسا بالاتفاق على لسان وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان في بيان قال فيه إن القرار المتّخذ في هذا الإطار من جانب السلطات الإسرائيلية هو خطوة إيجابية، وأعرب الأمين العام للأمم المتّحدة أنطونيو غوتيريش عن أمله في أن يساهم الاتفاق في حل النزاع بين "إسرائيل" والفلسطينيين على أساس مبدأ حل الدولتين.
إن رؤيتنا الاستشرافية تجاه هذه الصفقة المشؤومة التي حاولت المواقف العربية والدولية أن تضفي عليها ثوب الشرعية والطهارة، والطهارة منها براءة، لأنها خطوة منفردة وتعد خروجًا عن الإجماع العربي وإرادة الشعب الفلسطيني وإرادة شعب الإمارات نفسه، فإننا ندعو إلى التحلل منها اليوم قبل الغد، لأنها لن تصب في صالح دولة الإمارات ولا في صالح القضية الفلسطينية ولن تصب في صالح العرب.
تعد هذه الصفقة بمنزلة انتهاك واضح للقضية الفلسطينية والثوابت العربية وكل قرارات القمم العربية السابقة، كما تعد ضربة قوية لمبادرة السلام العربية التي أطلقتها السعودية.
باعتقادي أن هذه الصفقة لن تكون الأخيرة بين "إسرائيل" والدول العربية، فمسار التطبيع أصبح مفتوحًا مع "إسرائيل" التي استطاعت أن تهيئ الظروف المناسبة له في منطقتنا العربية المحتلة فكريًّا وسياسيًّا واقتصاديًّا وأمنيًّا.
إن تغيير الواقع المرير الذي تعيشه القضية الفلسطينية وواقع الأنظمة العربية لا يتم إلا من خلال مجموعة من الخطوات منها مطالبة شعوب الدول العربية التي وقعت مع "إسرائيل" اتفاقيات ومعاهدات سلام بفرض إرادتهم المطالبة بضرورة الانفكاك والتحلل من تلك الاتفاقيات الموقعة بين بلدانهم و"إسرائيل"، وعلى أنظمتنا العربية احترام إرادة شعوبها والعودة إلى رشدها قبل فوات الأوان، ولا بد لمحور المقاومة ترتيب بيته الداخلي ومد جسوره مع الشعوب العربية في سبيل إعادة القضية الفلسطينية لتكون قضية العرب الأولى، كذلك على البرلمانات العربية والمنظمات العربية والإسلامية على رأسها جامعة الدول العربية اتخاذ موقف حر وحازم تعبر فيه تجاه الصفقة وموقف آخر تعبر فيه عن الأصالة العربية تجاه القضية الفلسطينية.