تتفق كثير من الرؤى الإسرائيلية على أن التصعيد الحاصل في الجبهة الجنوبية يعني تكرارًا لما باتت تعرف "حكاية غزة"، وهي بالونات حارقة، وهجوم إسرائيلي، وصواريخ على الغلاف، وتصعيد ينتهي بهدوء مؤقت، تحضير للجولة القادمة، وإذا لم يتم احتواء التصعيد الجاري، فسيجد الطرفان نفسهما مرة أخرى أمام عدوان لا يريدانه، الأمر الذي يتطلب استباق هذه التطورات، ويعودان للتفاهمات التي أنهت الجولات العدوانية السابقة.
مع العلم أنه في ظل مواجهة كورونا، وانعكاساته على الاقتصاد والمجتمع الإسرائيليين، فإن استطلاعات الرأي العام تشير إلى أنهم أقل اهتمامًا بالتهديدات الأمنية، حتى جاء التذكير من غزة بأن التحديات الأمنية لا تزال قائمة، وهو ما ظهر في الأسابيع الأخيرة، وقد يتطور لمواجهة عسكرية، رغم عدم رغبة إسرائيل وحماس بذلك.
صحيح أن حماس وإسرائيل تشعران أنهما مضطرتان للرد على تصرفات الخصم، لكن الأخيرة تحاول المناورة بين الحفاظ على ردعها المتآكل، ومنع المقاومة من استخدام القوة، وفي الوقت ذاته الرغبة بإحلال الهدوء بغزة، وتحسين شعور المستوطنين بالأمن، لكن السبيل الوحيد لتحقيقه العودة لتفاهمات 2018، ورفع الحصار، وتطوير مشاريع البنية التحتية لتحسين حياة القطاع.
من الواضح أن الجانبين يخوضان حملة تصعيد منضبطة لتحقيق الإنجازات، وحريصان على الحفاظ على شدتها دون عتبة عدوان عسكري واسع، رغم أن إسرائيل تفرض إغلاقًا على معبر كرم أبو سالم، وتوقف إدخال المحروقات، ما يعني انخفاض التيار الكهربائي لـ4 ساعات فقط، مع حرارة الصيف التي تفاقم من صعوبة انقطاعه؛ وإلغاء مناطق الصيد.
الفلسطينيون يعتقدون، ولعلهم محقون في ذلك، أنه دون الضغط على إسرائيل، فلا يمكن البدء في مشاريع طويلة الأجل في غزة، بما في ذلك تحلية مياه البحر، والمناطق الصناعية، لأن التدهور الاقتصادي في غزة، وتسارع وتيرته عقب ظهور كورونا، وتزايد البطالة، يعود في الأساس إلى استمرار إسرائيل في تأخير تنفيذ الالتزامات المتفق عليها بصورة متعمدة.
المطلب الفوري للفلسطيني هو كسر الحصار، من خلال فتح معبر كرم أبو سالم بشكل مستمر، وزيادة عدد الشاحنات والمواد ذات الاستخدام المزدوج، وزيادة عدد تصاريح دخول التجار من غزة لإسرائيل، وتمديد تصاريح استيراد وتصدير البضائع للقطاع، وتوسيع منطقة الصيد لـ20 ميلًا بحريًا، بجانب تعزيز مشاريع البنية التحتية للمياه، وزيادة كمية الكهرباء في القطاع، ومشاريع تشغيل الخريجين، وزيادة المنحة القطرية، ومضاعفة عدد مستحقيها.
ما عدا ذلك، فلا يبدو أن الفلسطينيين في غزة سيقبلون بالمعادلة الإسرائيلية، ومن ثم يُتوقع استمرار نفخ البالونات وإطلاق الصواريخ وتشغيل فرق الإرباك على الحدود، ما لم تكن هناك فرصة حقيقية لتحسين الوضع داخل القطاع، ودون تحسين الوضع المعيشي، وتحقيق إنجازات للفلسطينيين، فقد تستمر جولة التصعيد الحالية.