فلسطين أون لاين

هكذا مشى "تِيم لامان" في مناكبِها

...
واشنطن - متابعة "فلسطين"

قضى عالمُ الأحياء والمصور الأمريكي "تيم لامان" طفولته في اليابان؛ كانت فطرته تقوده لاستكشاف الطبيعة؛ فقضى الكثير من الوقت بين الجبال؛ من ذكرياته الجميلة التي نبّأت باكراً أن اتجاهه في الحياة لاحقاً سينحى نحو علامة فارقة؛ عندما فاز في مسابقة وهو لا يزال في الصف الثاني عن قصيدة باللغةِ اليابانية؛ كتَبها عن سُلحفاته؛ وحينها نشرت في صحيفة محلية.

تلك الاهتمامات الأولى ساقته من حيث لا يدري إلى أماكن نائية في العالم ساعياً في مناكبها لينكب على إعداد البحوث العلمية والقصص والصور؛ ليفوز بجدارةٍ بجائزة أفضل مصور للحياة البرية لعام 2016.

وفي مقابلةٍ صحفية أُجريت مع تيم لامان؛ ترجمتها "صحيفة فلسطين"؛ انطلق الرجل عام 1987 نحو الغابات المطيرة في جزيرة بورنيو - وهي ثالث أكبر جزيرة في العالم- أجرى فيها بحوثاً رائدة؛ ومن ثم انطلق إلى آسيا والمحيط الهادي؛ وخاصةً الأرخبيل الأندونيسي؛ و في تلك المرحلة تسلّق أكثر من 500 شجرة عملاقة؛ لأجل دراسة أشجار التين والحياة البرية المرتبطة بها.

هذا العمل بمجمله استحثّه لنيل الدكتوراة في علم الأحياء من جامعة هارفارد وهو باحث مشارك في قسم علم الطيور فيها؛ ونُشر أول مقالٍ له في مجلة ناشيونال جيوغرافيك عام 1997م؛ لتستمر متابعة شغفه في استكشاف الأماكن البرية؛ وتوثيق الحيوانات البرية المهددة بالانقراض؛ إلى أن أصبح مساهماً منتظماً في مؤسسة ناشيونال جيوغرافيك؛ حيث نشر عشرات المقالات العالمية المرتبطة ببيئة الغابات المطيرة؛ وحياة الطيور.

لا حدود للعالم

يقول "تيم لامان" الذي نراه تارة ناصباً كاميرا وسط النهر؛ وتارة أخرى يحاول العبور بين شجرتين على ارتفاعٍ عال: "أولى ذكرياتي في السفر حين شددنا الرحال متجهين بالسفينة عبر المحيط الهادي من فرانسيسكو إلى اليابان مع عائلتي؛ لم يتجاوز عمري الرابعة حينها؛ والديّ عاشا وعملا في اليابان بينما كنت أكبر".

ويتابع حديثه بروح استكشافية أكثر للحياة: "لطالما جُبنا الآفاق في طفولتي؛ فأصبح السفر أمرا طبيعيا في حياتي؛ إلى درجة أنه منحني إحساساً بالإلهام بحيث لم أشعر أبدا أن هناك أي حدود للذهاب إلى أي مكان في العالم؛ فكل ما عليك أن ترتب أفكارك؛ وتجد طريقة لتحصل على تذكرة طيارة أو قارب ثم تذهب".

وحسب حديثه فقد بدأت حكايته مع الكاميرا حين كان يلهو بواحدة قديمة كانت بحوزة أبيه؛ تحديداً حين كان في الصف السابع أو الثامن؛ ثم امتلك "الكاميرا" الخاصة به حين التحق بالمرحلة الثانوية؛ وبمرور الوقت أصبح يولي جديةً أكبر للتصوير.

وبالعودة إلى عشق الاستكشاف يعبر عن هذا الميل الجارف بالقول: "كان من المثير أن أذهب إلى أماكن ذهبَ إليها قليلٌ من الناس؛ وأرى ما رآه قليلٌ منهم؛ كانت فرصة حقيقية للاستكشاف وهذا ما وجدته مُجزياً؛ فمشاريع البحث العلمي والتصوير كانت طرقاً لأفعل ما أوده".

وعن أبرز التحديات التي يمكن أن تعترض المصور الذي وقع في حب مهنةٍ شاقة وشيقة: "يمكن أن يكون الوصول للأماكن النائية للغاية مُكلفا جداً حيث لا تتوفر وسائل النقل المتاحة؛ فجلب التمويل لوسائل نقل على غرار الهيلوكوبتر؛ أو قارب ذو امتيازات هو بمثابة التحدي الأول".

أما عن التحدي الثاني فيقول: "كذلك ما يتعلق بالمرشدين المحليين الذين يتوقف توفرهم بشكلٍ كبير على الموقع؛ فبعض المواقع النائية مثل الجزر غير المأهولة والجبال البعيدة ليس لديهم سكان، وبالتالي لا يتوفر مرشدون محليون؛ حينها نذهب كفريقٍ صغير ومن تلقاء أنفسنا؛ وفي حالاتٍ أخرى عندما يكون السكان المحليون حاضرين؛ نعتمد عليهم كثيراً؛ ونحاول الاستفادة من المعرفة المحلية؛ وغالباً ما استأجر مرشدين محليين لمساعدتنا حين يكونون متاحين".

فكرة خاطئة تماماً

الصبر يعتلي أهمية قصوى في حياة المصور تيم؛ هذا الرجل الذي امتلأ بالصبر يقول : "المسألة هي الدافع وإذا ما كنت تريد حقاً فعل ما تريد؛ إذ يمكنني أن أجلس جانباً طوال اليوم في محاولة لالتقاط صورةٍ فريدة لـــ "طيور الجنة"؛ ومرةً أخرى أقول إنه الدافع؛ أذكر أني خصصّتُ أكثر من 80 ساعة لأكثر من عشرة أيام لالتقاط بعض اللقطات".

"ما الذي يبقي اهتمامك بالتصوير مزدهراً؟" سؤال وُجّه له في المقابلة؛ ليقدم إجابة تنم عن تواضع: "ثمة أمر في التصوير وهو أنه لا يُمكن أن تلتقط صورة مثالية؛ هناك دائماً مجال للتحسين؛ وسعي ومحاولة دؤوبة للحصول على الأفضل؛ دائماً ما تظهر طرق جديدة لصنع صور لم تكن ممكنة من قبل؛ وفي مجال توثيق الحياة البرية النادرة والمهددة بالانقراض هناك العديد من القصص المهمة التي تستحق الإخبار بها.. لذا لن تنفذ أبداً الموضوعات والأفكار".

نصائح موجزة يبرقها لمن اختاروا هذه المهنة عن حب؛ "على كل مصور أن يكتشف مجال التصوير الذي يحبه؛ وأن يبذل الكثير من الجهد لأجله؛ فالشغف بموضوع خاص مهم".

ونصيحةٌ ثانية: "بوسعك أن تفعل الكثير بأبسط معدات التصوير الفوتوغرافي؛ العملية الإبداعية في التقاط الصورة تفوق الأدوات أهمية؛ لذا يجب ألا ينتابك هاجس إزاء توفر العتاد؛ الكاميرات والعدسات هي أدواتنا؛ لكن المصور هو من يصنع الصورة؛ لذا اعمل بقدر ما يمكنك أن تعطي و ضع طاقتك في تطوير حرفتك".

ويختم حديثه: "ما تعلمته أن هناك عالما كبيرا؛ وفكرة أن العالم تم استكشافه ولم يعد هناك ما يُكتشف؛ فكرةٌ خاطئة تماماً؛ فمثلاً لقد ثابرت لسنوات طويلة لتصوير 39 نوعا من طيور الجنة؛ وحتى عام 2011 كان هناك أعضاء في مجموعة طيور شهيرة لم يتم فيها تناول سلوك مغازلة ذكورها".

ويضيف: "كما أن هناك عددا لا يُحصى من الأنواع وخاصة في المناطق الاستوائية؛ سواء في الغابات المطيرة أو تحت الماء، ولا تزال غير معروفة جيداً؛ لذا اخرج واستكشف العالم؛ فهذا واحد من أعظم الأشياء بشأن أن تكون مصوراً؛ حقاً إن الكاميرا الخاصة بك هي جواز سفرك لاستكشاف العالم".