مع مرور الوقت، يزداد القلق الإسرائيلي من تمركز الأتراك في البحر المتوسط، بزعم تأثيره السلبي على مستقبل غازها الذي بات في خطر، بعد إعلان أنقرة نيتها الحفر قبالة سواحل ليبيا، مما عبر عن طموحات توسعية في المنطقة.
تشير القراءة الإسرائيلية لما تشهده ليبيا من حرب داخلية واستقطاب خارجي، أن الرئيس أردوغان استغل بحذر الأزمة العسكرية والاقتصادية لحكومة طرابلس، ووقع سلسلة من الاتفاقيات والتعاون العسكري، وإقامة حدودهما البحرية.
إسرائيل راقبت التحركات التركية، خاصة مع تضاعف اكتشاف حقول الغاز في شرق البحر المتوسط، مما أفرز حالة من تشكيل التحالفات والاتفاقات بين الدول التي بدأت بتحديد مناطقها البحرية الاقتصادية في الوقت المناسب، وبدأت السباق لتحديد مواقع حقول الغاز وتطويرها، ودخلت إسرائيل في مجموعة من التعاون الاقتصادي والاستراتيجي مع اليونان وقبرص ومصر.
يتوقع الإسرائيليون أن تنمو جرأة الأتراك مستقبلا، وهذا ليس ما تريده إسرائيل ومصر واليونان وقبرص، وحتى لو تركز الصراع في الساحة الدبلوماسية، فإن فرص المواجهة المادية في البحر تبدو واقعية، فما يحدث في ليبيا يهم إسرائيل كثيراً، مما يجعلها بحاجة لحملة منظمة تجاه تركيا حتى لا تتفاجأ، فقد تأتي المفاجآت من عدة اتجاهات، بما في ذلك التعاون الفلسطيني التركي في مجال الغاز قبالة سواحل غزة.
في الوقت ذاته، ترقب إسرائيل فرص اندلاع مواجهة بحرية بين تركيا واليونان، في المنطقة الواقعة بين جزيرة كريت وليبيا، ومع تقاربها في السنوات الأخيرة من اليونان وقبرص، فإن ذلك قد يتطلب زيادة المناورة معها، مع الدعم الذي تتوقعه من حلفائها في المنطقة في مواجهة السياسة التركية.
في الوقت ذاته، تواجه إسرائيل واليونان ومصر بصورة مشتركة ما بات يعرف بـ"التحدي التركي"، ويضعها أمام اختبارات قاسية، مما قد يحمل تنبؤات مفادها أن تصاعد الصراعات في شرق البحر المتوسط، قد يصل درجة التدهور نحو مواجهة عسكرية، في ضوء القراءة الإسرائيلية للسلوك التركي على المستوى الجيو-استراتيجي والاقتصادي، الذي يركز على ترسيم حدود المياه بشرق البحر المتوسط، وهي قضية ذات أهمية كبيرة لإسرائيل، لأنها تثير مخاوف بشأن الاشتباكات العسكرية حول النشاط الاقتصادي قرب شواطئ الطاقة.
لا تخفي إسرائيل خشيتها من اتساع الساحات التي تنشط فيها تركيا بصورة فاعلة، لأنها تلقي بظلال طموحاتها الاستراتيجية على مستقبل شرق البحر المتوسط، وتقاسم المياه الاقتصادية فيه، ولذلك فهي ترى أن "معركتها" ضد التطلعات التركية في شرق المتوسط، تواجهها جملة عوامل إقليمية وقوية لها تأثير على ميزان القوى، فمصر تتعرض لضغوط مزدوجة: من إثيوبيا بشأن قضية السد، وتهديد الجبهة الليبية، وباتت هاتان مسألتان ذات أهمية وجودية لنظام السيسي، مما يخلق احتمال حدوث صدام بين مصر وتركيا، رغم عدم رغبتهما بذلك!