دنا الناشط الشاب الإندونيسي من قلب الطفلة الفلسطينية "هيا" وهي لا تدري أنها على أعتاب فراق جديد بعدما أفصح عمَّا ينوي القيام به: "غدًا؛ سأغادر يا هيا.. لأعود إلى إندونيسيا"؛ هربت دمعة من عيني الطفلة التي فقدت عائلتها في الحرب وكان لها الشاب هدية من السماء وعائلة ثانية انتشلتها من مستنقع الألم، لتجري دموعها على نهر حزنٍ سلك طريقه في خدها.
لم تجد الدموع ما يوقفها فواصلت طريقها، حتى أبكت الطفلةُ الشابَّ، الذي قطع عهدًا بينهما: "سأعود مرة أخرى"، أبكى المشهد الذي جسد الواقع المخرجين وطاقم إنتاج "الفيلم" وكأنه حقيقي، لكن خلف كواليس المشهد المصور في إندونيسيا كانت الشابة الغزية جنان مُسلِم حاضرة في تدريب الطفلة الإندونيسية على نطق اللغة العربية والظهور بهذا الإتقان.
أحداث وكواليس
"هيا".. فيلم من إنتاج مخرج إندونيسي، يتحدث عن طفلة فلسطينية فقدت أهلها خلال أحداث النكبة الفلسطينية سنة 1948م والتي قتلتها العصابات الصهيونية، فتعرفت على ناشط إسلامي من إندونيسيا جاء لفلسطين لمساعدة الناس وإعانتهم، تطورت العلاقة الإنسانية بينهما وعوضها فقد عائلتها، ليجسد الفيلم الواقع الفلسطيني وأحداث الهجرة و"النكبة".
"الفيلم أوصل رسالة للإندونيسيين بأنه لم يكن هناك ما يسمى (إسرائيل) قبل النكبة، وأنها (العصابات الصهيونية) هجرت أبناء الشعب الفلسطيني (...)، الفيلم مدته ساعتان وأربعون دقيقة شارك فيه 50 ممثلًا من إندونيسيا وفلسطين وتركيا واليمن، وصُوِّر في عدة أماكن في إندونيسيا، وكذلك صورت مشاهد له داخل باحات المسجد الأقصى"، تقول مُسلِم لصحيفة "فلسطين".
تمكن "هيا" من خطف الأضواء في دور التذاكر والسينما في إندونيسيا، فبلغت أرباح الفيلم وفق مُسلِم مليون دولار علمًا أن عرضه بدأ سبتمبر/ أيلول 2019م، سيذهب ريعه لصالح الشعب الفلسطيني، وبعد هذا النجاح الكبير الذي لا يزال متواصلًا قرر فريق العمل إنتاج الجزء الثاني منه.
دور جنان في الفيلم تمثل بأداء دور أم "هيا"، لكن هناك دور أكبر بذلته، تردف: "كنت أحدث هيا باللغة العربية وأدرِّبها، خاصة أن دورها في الفيلم أن تتحدث بالعربية، وكنت أحدث فريق العمل عن واقع القضية الفلسطينية لتطبيق ذلك في الفيلم وحتى تصلهم مشاعرنا من قلبي، لأحفزهم للإبداع في التمثيل".
هدف ورسالة
الهدف من الفيلم، تبعًا لحديثها، إيصال رسالة للإندونيسيين والعالم أجمع عن القضية الفلسطينية، خاصة أنه لا يصلهم كثير عنها بشكل مفصل، وهذا الفيلم يوضح أكثر عن حقيقة القضية الفلسطينية والهجرة، وكيفية مساعدة الشعب الفلسطيني، ورسالة أخرى أن هناك نشطاء وشبابًا إندونيسيين يهتمون بها، ويوضح أننا عالم إسلامي قوي، وأن هذه القضية ليست خاصة بالشعب الفلسطيني فقط بل تهم العالم أجمع، حتى ينتبهوا لنصرتها.
في دور السينما، كانت نوافذ التذاكر ممتلئة، تفاعل الإندونيسيون مع الفيلم بشكل كبير، وتخطت حدود عرضه إلى ماليزيا ودور مجاورة في شرق آسيا، كما تقول، مضيفة: "مثل هذه الأفلام تستطيع إيصال رسالتنا الفلسطينية للعالم، وتوضيحها خاصة مع التطور التكنولوجي، ونستطيع أن نفتح المجال لنا من خلال مواقع التواصل ليهب العالم لنصرتنا".
"من خلال الأفلام نوصل رسالة إنسانية للعالم، خاصة أن هناك وسائل إعلامية لا توصل ما نعيشه على أرض الواقع للشعوب العربية والإسلامية"، تتابع حديثها.
عاشت جنان كواليس عمل خلال رحلة سفرها من غزة إلى إندونيسيا، وتفاجأت بمدى حب الإندونيسيين للقضية الفلسطينية، لا تخفي ذلك: "هم شعب يحبون فلسطين أكثر مما نتصور، يتمنون تقديم كل ما يملكون، وجدتهم يتفاعلون معي ويعبرون عن تضامنهم مع القضية الفلسطينية".
تعب وجهد وانتقال وسفر، لحظات عاشتها مُسلِم خلف كواليس الفيلم، "كنا ننتقل في الطائرة بين جزيرة وأخرى، لكون المدن الإندونيسية متباعدة المسافة، أمضينا ساعات تصوير تحت الشمس الحارقة في جو استوائي، ونجاح الفيلم بهذا الشكل سببه حب الشعب الإندونيسي لنا"، وفق قولها.
تبعًا لكلامها، فإن الأثر الذي حققه فيلم "هيا" في نفوس من شاهده كان كبيرا في إندونيسيا، ويدحض الروايات الإعلامية التي تضلل القضية الفلسطينية، ويؤكد "أننا متمسكون في أرضنا فلسطين، ويوصل للعالم أن لنا أرضًا ندافع عنها (...)، كنت سعيدة أنني شاركت أنا وزوجي الإندونيسي محمد مُسلِم في الفيلم، وشعرت أني كنت سفيرة فلسطين في إندونيسيا".