الشتات الفلسطيني ليس له مثيل...!
قبل التفاصيل؛ لا للبكاء والعويل...! فلسطين وشعبها وساكنيها أكبر من كل هذا...
فلسطين مولود شرعي طبيعي، له أب وأم وجذور منذ الأزل، والى الأبد...!
أمها العروبة السخية، وأبوها وأصولها تراتيل السماء..
يقول الحديث القدسي "إن الجنة لتحن شوقاً الى بيت المقدس"...!! قول من رب رحيم.. وبيت المقدس هنا رمزية تعبر عما اغتصب من أكناف بيت المقدس وكل الشام المباركة الشريفة؛ التي يلفها الألم والوهن الزائل عما قريب بإذن الله...
لقد كانت نكبتنا عام 1948، وما سبقها من تآمر ومكائد وصمة عار في جبين التاريخ وعار ما بعده عار على الحضارة والكرامة الإنسانية، في كل فجاج الأرض.
لا تحسبن السماء غافلة عما يفعل الظالمون... وهكذا فإن يوم الحساب آت ليرى الخسيسون أي منقلب ينقلبون...
" إن للباطل ساعة، وللحق الى قيام الساعة"...
وهذه حتمية تاريخية، لا لبس فيها...
اللهم افتح بيننا وبين قومنا بالحق...
أما الآخرين فلا لوم ولا تثريب...!
حقاً؛ كانت المشيئة الإلهية أن نبتلى...
يعني أن نُختبر في إيماننا وصبرنا، وفي كل ضروب حياتنا...
ربً أفرغ علينا قطراً من سمائك...
أنت معقد الأمل والرجاء؛ قبل وبعد دعوات الصالحين، ومواقف المحبين والمؤمنين..
ما أدفأ حضن الوطن..!
شاءت الأقدار أن يتشرد نحو 800 ألف فلسطيني عام 1948 من ديارهم هيامي إلى ما تبقى من "الحمى"، بين ما يعرف جغرافيا بـ "قطاع غزة"، وبـ "الضفة الغربية"،.. بين شرق فلسطين، وغربها.. ثم ما تبقى إلى مخيمات اللجوء حول فلسطين؛ في لبنان، وسورية، وشرق الأردن، وبعيداً إلى العراق؛ ليطلق عليهم جميعاً "لاجئون من فلسطين"..! وقليل جداً منهم لم يطيقوا هذا المصطلح (لاجئين) آثروا الذهاب إلى غير ما ذكر، ليعيشوا على هواهم، بعيداً عن الملاجئ واللجوء..
هنا يتعرف اللاجئون أو النازحون في هذه المسميات على من أكرمهم، وعلى من أساء إليهم، أو أدار ظهره بلا مبالاة، أو اكتراث...!
لكن تفاصيل الحياة كانت ولا زالت ذات شجون، ترخي بظلالها وزوابعها على حياة الشتات بين مد وجزر.. بين حلاوات ومرارات.. بين الكرم واللؤم، وبين المضحك والمبكي، ما أحال القضية إلى تراجيديا- كوميديا؛ لا تثير إلا القرف والزهق..! يا لها من دراما، ويا بئس من يشاهدون..!
كل بقاع فلسطين التي كُتب الظلم والعدوان على أهلها الخروج أو النزوح مروج خضراء وكروم غناء، ومدن وقرى تعج بالحركة والحياة؛ يمكنني أن أؤكد أنها الأحلى والأجمل في كل الشرق، إن لم يكن في العالم...!!
أبناء يافا وحيفا وعكا وصفد والناصرة والقدس وغيرها، مما تغنت بها الركبان، وأما القرى والأرياف لطالما تمرغت في أحضان أحلى برتقال ومشمش ولوزيات وكروم، ولطالما عشقتها عيون التاريخ، وتغزلت فيها الأمجاد..
استطيع القول بلا مراء، أن أبناء هذه الجغرافية إذا ما كانوا يعيشون في رفاء، فقد كانوا في عزٍ، أو فيهما معً ..
البعض فيهم تمكن من حمل بعض المال، والأغلب لم يتمكن؛ بسبب مجريات الأحداث ؛ والمفاجآت...!!
لا بأس أن ندخل إلى الموضوع بعد هذه الفذلكة الايحائية..!!
أولا: من نزح إلى لبنان، الجار الشمالي لفلسطين كان في حدود 150الف فلسطيني من أرقى وأخصب بقاع فلسطين؛ توزعوا على نحو 12مخيما في جنوب ووسط وشمالي لبنان والبقاع في الشرق، حول المدن والقرى والضياع اللبنانية على اختلاف طوائفها وطقوسها؛ في أجواء تحكمها الطائفية الدينية والمذهبية والسياسة في لبنان ما بعد سايكس-بيكو 1916 ومخرجات اتفاقية "لوزان1923" وحقبة السيطرة الفرنسية منذ 1920...
... جاء الفلسطينيون إلى هذا المقلب مسلمين ومسحيين لا فرق بينهما إلى محاريب الطائفية "المشرًعة" التي لا تقبل المساس...!!
في هذه البيئة الموبوءة بالطائفية وتبعاتها لقي الفلسطينيون ترحيبا من معظم اللبنانيين على اختلاف انتماءاتهم عدا بعض "الانعزاليين" والطائفيين" الذين رأوا بأن هؤلاء الضيوف يخلون أو يكسرون القاعدة الطائفية لصالح مسلمي لبنان..
هنا بدأت سيمفونيات النواح والصياح... لبنان ضيق بأهله، ولا قبل له بأي طارئ... اللبنانيون يهاجرون إلى مجاهل الدنيا بحثا عن حياة أفضل.. إلى ما هنالك من التوجسات والأباطيل..
وللإنصاف والتاريخ أن الكثير من أبناء لبنان قد تصدوا لهذه التًرهات...
فهذا عدنان الحكيم رئيس حزب النجادة في لبنان ظل يطل على الساحة، ومن خلال جريدة حزبه (صوت العروبة) يصرخ في وجوه هذه الجوقة الطائفية، يذكرهم فيها بأن لبنان كان واسعا لدى استقباله موجات من الأرمن واللاجئين البولونيين بكل أريحية واتساع...!!
ذلك لأنهم مسيحيون...! ولطالما رد على تخرصاتهم بأن المسيحيين الفلسطينيين قد اتسع لهم لبنان، كما اتسع لمن يملكون الثروات من المسلمين، تحت ذرائع وحجج لا أنزل الله بها من سلطان...!
إنه اللؤم في أجلى معانيه من أدوات النظام اللبناني ومفرداته التي انبرت تحارب الوجود الفلسطيني في لبنان إلى يومنا...
وهكذا ظل الفلسطينيون يؤكدون لهذا الجانب اللبناني، بأنهم طارئون ولا طمع في استيطان لبنان، وانهم ضيوف إلى ما هنالك، لكن بلا طائل...!!
وبما أن هذا الجانب بيده مقاليد الأمور فقد حرًم العمل على الفلسطينيين، حتى على أدنى الأعمال... بحجة أن العمل ينسيهم العودة إلى بلادهم، وان في عملهم مزاحمة للعمالة اللبنانية...
والويل كل الويل لمن يريد من الفلسطينيين الحصول على فيزا دخول إلى لبنان. وأذكر في هذا الشأن، وأنا طالب في الجامعة اللبنانية الرسمية منذ عام 1959 ذهبت وأنا طالب في السنة الثانية لزيارة أهلي في قطاع غزة. ولما انتهت زيارتي ظننت أن الحصول على تأشيرة عودة إلى لبنان سوف يكون سهلا.. لكن القنصلية اللبنانية في القاهرة قد مرمرتنى شهورا حتى أنني ابرقت، احتجاجا إلى الرئيس فؤاد شهاب، والي رئيس الحكومة صائب سلام، والى كمال جنبلاط الوزير ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي، وإلى سفير لبنان المفوض في القاهرة جوزيف أبو خاطر وقابلت الحاكم العام لقطاع غزة اللواء عبداللطيف العجرودي وقد كان في زيارة إلى مصر..
كما قدمت شكوى شخصية احتجاجاً على هذه المعاملة "السيئة" إلى جامعة الدول العربية في القاهرة.. وقد اقمت الدنيا حتى تمت الموافقة "سراً" على منحي التأشيرة على ألا أخبرَ أحداً.. لكنني ما أن أخذت التأشيرة حتى اخبرت الجميع..
وهكذا، ذهبت بعد ذلك للعمل في السعودية عام 1961، ولما أردت الذهاب إلى لبنان لتأدية؛ امتحاناتي في الجامعة، ذهبت إلى القنصلية الأمريكية في الظهران التي منحتني التأشيرة في غضون خمس دقائق، كما منحتني إقامة لمدة سبعة شهور...
ودخلت لبنان مرتين بتأشيرات من القنصلية الأمريكية لا زلت احتفظ بهذه الوثيقة، وما تحمله من تأشيرات من القنصلية الأمريكية...!!
هذا هو اللؤم بأجلى معانيه من جانب النظام الرسمي اللبناني.. وللحديث بقية..