لقد اختبر بني غانتس وزير الحرب الصهيوني قدرات جيشه في حرب 2014، واكتشف طاقة جنده الهزيلة رغم فخامة التسليح، وأدرك الإسرائيليون كلهم الحقيقة المؤلمة بالنسبة لدولتهم حين أصدر وزير الحرب تعليماته لقادة جيوشه بالانسحاب من غزة بعد عشرين يوماً من الفشل، هذا ما اعترف به مراقب دولة الكيان، وهذا ما أعاب به وزير الحرب السابق نفتالي بينت على وزير الحرب الحالي بني غانتس الذي كان يشغل منصب رئيس أركان الجيش أثناء جرب 2014.
تهديدات وزير الحرب لغزة خالية من الدسم، ولم ترعب طفلاً صغيراً يتوجه إلى مدرسته في الصباح، فقد عرف الناس قدرة الجيش الإسرائيلي، واستصغروا عزم قادته، رغم ما لديهم من قدرات تدميرية هائلة، ورغم امتلاكهم لكل أنواع الأسلحة الفتاكة، التي لا تجد في غزة مطاراً يستحق القصف، ولا ميناء ولا مصنعاً ولا منشأة اقتصادية، ففي غزة ملايين البشر الكارهون لإسرائيل والحاقدون عليها، وصارت لديهم قدرة الرد في قلب المدن الإسرائيلية، وعلى المنشآت الاقتصادية والعسكرية، لذلك أطلقت غزة صباح الاثنين ستة صواريخ تجريبية بعيدة المدى في غضون دقائق رداً على تصريحات قادة الكيان.
غزة لا تعرف الخوف، ولن تردعها الطائرات والقذائف والتصريحات، غزة تعرف أن الأصل في العلاقة مع هذا العدو هو التصعيد والمواجهة، وأن الاستثناء هو الهدوء، لذلك تختار غزة الهدوء المرحلي للتحضير لجولة جديدة من التصعيد، لتصفع بهذه المعادلة منطق كل من زعم أن غزة تبيع شرفها مقابل بضع دولارات، ليكون رد غزة صارماً في وجه الأعداء، وصادماً للمشككين بقدرة غزة على الوفاء.
وحتى ولو كان دخول الأموال القطرية إلى غزة نتيجة لرشقات البالونات الحارقة، أو كانت البالونات الحارقة رسائل ضغط لإدخال الأموال، فإن هذا نصر فلسطيني، يرسم معالم الطريق لسياسة فلسطينية جديدة مع الاحتلال تختلف عن السياسة التي حكمت مسار الحراك الفلسطيني لسنوات، فالموافقة الإسرائيلية على دخول الأموال تعني الخضوع لمطالب رجال المقاومة، وتعني التسخيف لتهديدات وزير الحرب بني غانتس الذي وضع شرط ازدهار غزة وتطورها بإطلاق سراح الجنود الإسرائيليين الأسرى لدى رجال المقاومة في غزة.
لقد جرب الإسرائيليون كل أشكال الضغط على أهل غزة منذ سنة 2006 تاريخ أسر الجندي الإسرائيلي شاليط، ولعدة سنوات من الحصار والعقوبات الاقتصادية، وكانت نتيجة الصمود الفلسطيني خضوعًا إسرائيليًا لمطالب المقاومة، وتنفيذ صفقة تبادل أسرى مشرِّفة بحق فلسطين كلها، وهذه الرسالة التي يجب أن تصل إلى الإسرائيليين، بأن أهل غزة مستعدون لتحمل الحصار، ومستعدون للتضحية، ويطلقون البالونات الحارقة، وهم جاهزون لحرب مفتوحة مع العدو الإسرائيلي لمدة خمسين يومًا وأكثر، وهم غير مستعدين للتخلي عن أصبع واحد لجندي إسرائيلي وقع أسيراً في معارك غزة، دون مقابل.
قد تستجيب إسرائيل لضغوط أهل غزة، وتسمح بدخول الأموال القطرية، ليصير التأكيد على أن لغة القوة هي اللغة التي يفهمها العدو الإسرائيلي، وبالقوة يتم تغيير المعادلة التي اطمأن لها العدو سنوات، تمكن خلالها من تحقيق التوسع الاستيطاني والاستقرار الأمني!