ما تحمله الطائرات المقاتلة من قذائف ومتفجرات صارت تحمله الصواريخ بعيدة المدى، وما تدمره الطائرات الحربية صارت تدمره الصواريخ متوسطة المدى، ومع مواكبة التطور الحربي لم تعد أفضلية للكيان الصهيوني في حروبه القادمة مع رجال المقاومة، فقد تحقق توازن الرعب حين صار بمقدور رجال المقاومة أن يردوا بالمثل على القصف الإسرائيلي للمدن والمنشآت الحساسة والصناعية، وأزعم أن هذه القدرة على الرد هي اللجام الذي يكبح جماح الجيش الصهيوني عن التفكير بالاجتياح للحدود شمالا ًوجنوباً، إنها قوة الردع التي عجزت الجيوش العربية عن تحقيقها لعشرات السنين الخالية، حتى جاء رجال المقاومة وصنعوا المعجزات، ونجحوا في جعل قلب المدن الإسرائيلية خط المواجهة في أي حرب قادمة.
لقد نجح رجال المقاومة في قلب التفكير العسكري الإسرائيلي، فما كان آمناً بالنسبة للإسرائيليين أصبح مستباحاً، وما كان مستحيلاً صار ممكناً، وانتقل التفكير العسكري الإسرائيلي إلى الدفاع بعد أن كان منصباً على الهجوم، وصارت الطائرات الأمريكية التي تحط مساعداتها في المطارات الإسرائيلية تزودهم بمنظومة الدفاع، واحتياجات القبة الحديدية، وغيرها من المضادات لصواريخ المقاومة، بعد أن كان الشحن لمعدات الهجوم.
لقد انكشفت حقيقة إسرائيل لعيون رجال المقاومة، وعرفوا هدفهم، وصوبوا بنادقهم في الاتجاه الصحيح، فأثاروا الرعب والردع معاً، كما جاء في تقرير مراقب الدولة الأخير في إسرائيل، الذي فضح ضعف الدولة التي تدعي القوة والتفوق والهيمنة، فإذا بها تحصي عدد الملاجئ، التي بلغت 12601 ملجأ، منها 2494 ملجأً غير مؤهل لاستقبال الزبائن وقت الحروب.
12601 ملجأ، قد يستوعب الملجأ على أحسن تقدير 100 شخص، وهذا يعني أن ملاجئ إسرائيل لا تستوعب أكثر من مليون ونيف، ليظل أكثر من 2.6 مليون مستوطن يهودي في قلب المدن الكبرى بلا ملاجئ، فإذا أضيف لهذا الرقم ربع مليون مستوطن يهودي يعيشون على مسافة 40 كيلومترا من الحدود، وهم في مرمى الصواريخ قصيرة المدى، فذلك يعني أن عش العنكبوت لم يعد قادراً على حماية نفسه، فكيف يفكر في اصطياد فرائسه من صار 50 ألفا من مستوطنيه على مسافة 9 كيلومترات من الحدود فريسة للخوف والفزع على مدار الساعة؟ وكيف يفكر بالعدوان على الجيران من يعترف بأن لا مكان في إسرائيل لاستيعاب مستوطني17 منطقة استيطانية يعيشون قرب السياج، وسيتم إخلاؤهم مع اشتعال الحرب القادمة؟
أن تبدأ دولة إسرائيل العدوانية بإحصاء الملاجئ، وأن تبدأ بالتفكير بكيفية حماية المستوطنين، وأن تفكر في أماكن استيعاب آلاف الهاربين؟ فهذا أمر جيد وجديد، وهو المؤشر الدقيق على تطورات الحرب القادمة، التي ستختلف بنتائجها المطمئنة عن كل الحروب السابقة، حرب تخشاها إسرائيل، وتعمل لها ألف حساب، لأن لها انعكاساتها المادية والمعنوية التي ستؤثر في استقرار هذه الدولة، وفي بقائها على قيد الأكذوبة بأنها دولة لا تُقهر.