جرت العادة منذ إنشاء السلطة الفلسطينية أن تكون الجهة الوسيطة بين الفلسطينيين الراغبين بالحصول على تصاريح لدخول إسرائيل، سواء للعمل أو العلاج أو الزيارات العائلية، وبين السلطات الإسرائيلية، من خلال وزارة الشئون المدنية.
لكن منذ إعلان السلطة الفلسطينية وقف التنسيق الأمني أواخر مايو 2020، توقفت عن القيام بهذا الدور، وأصبح الفلسطينيون يتواصلون مباشرة مع الإسرائيليين، بعلم السلطة الفلسطينية، ولكن دون تدخلها.
يشكل هذا المشهد، من وجهة النظر الإسرائيلية، مصدر قلق طويل الأمد وعميقا للسلطة الفلسطينية تجاه المحاولات الإسرائيلية لإضعافها بإقامة علاقات مدنية عامة وحوار مباشر مع الجمهور الفلسطيني، مما سيؤدي تدريجياً لانهيارها.
هذا الخوف عبرت عنه السلطة بالإعلان مرارا وتكرارا في الآونة الأخيرة بأنها لن توافق أن تصبح مجلساً محليا أو مؤسسة خيرية، لاسيما على لسان حسين الشيخ المسئول الفلسطيني عن التواصل مع اسرائيل.
ومنذ أن توقف التنسيق الأمني بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية، فإن النشاط المدني المستمر المرتبط بإسرائيل أصبح تحت "يد مختفية"، وبهذه الطريقة، يستمر عشرات الآلاف من العمال والتجار والمرضى بدخول إسرائيل كل يوم، دون تنسيق رسمي مع السلطة الفلسطينية، ويبدو أنها تستطيع إذا أرادت منعهم من ذلك، لكنها تدرك أن نتيجة هذه الخطوة ستكون احتكاكاً مع الجمهور الفلسطيني، وغضبه منها.
المقصود أن السلطة الفلسطينية، وهي ترى تواصل مواطنيها مع السلطات الإسرائيلية من خلال القفز عنها، وعدم التنسيق معها، تستطيع منعهم، كي لا تتحول إلى عديمة الجدوى، وفاقدة لسيادتها عليهم، لكنها تخشى في المقابل من نتيجة هذه الخطوة المتمثلة في غضب الفلسطينيين منها، لأنها من خلال منعها لهم تتسبب في تعطيل مصالحهم، وتوقف مسار حياتهم في المجالات الاقتصادية والمعيشية، ولذلك فهي تغض الطرف عنهم، ولا تحاول منعهم من إجراء اتصالاتهم مع الإسرائيليين، دون المرور بها.
في الوقت الحالي، تفضل السلطة السماح للوضع الحالي بالوجود من أجل الحفاظ على الاستقرار الاقتصادي، الذي تعرض لضربة شديدة خلال أزمة كورونا، وهكذا فإن تشديد التواصل بين الجمهور الفلسطيني وإسرائيل ليس فقط كابوسا وجوديا للسلطة، بل يجب اعتباره أيضًا مشكلة أساسية لإسرائيل، لأن تكريس جزء كبير من الفلسطينيين لعلاقة مدنية مباشرة معها، وتطلعهم لتحسين نوعية حياتهم، وجودة الخدمات التي يتلقونها، يعني استمرار انخفاض قيمة ومكانة السلطة الفلسطينية.
هذا الواقع الجديد سيزيد من الدعوات الإسرائيلية للبدء بإجراءات تدريجية لتفكيك السلطة، وفي الوقت ذاته يرفع من وتيرة تجاوز الفلسطينيين لها لإنجاز معاملاتهم اليومية، ذات الطابع المعيشي والاقتصادي، من خلال التواصل المباشر مع الجهات الإسرائيلية، وهو ما يفرض تحدياً خطيرا، ذا طابع وجودي على السلطة برمتها!