من يراقب الإجراءات التي قامت بها خلية الأزمة للتعامل مع وباء كورونا في محافظات غزة؛ يدرك أننا أمام نموذج من النجاح يستحق التقدير والاحترام، فهذه غزة المحاصرة والمجروحة التي قالت عنها الأمم المتحدة إنها ستغدو غير قابلة للحياة هذا العام، في حين وجدنا كثيرًا من دول العالم المتقدم التي تملك الإمكانات الهائلة والمنظومات الصحية الراقية تنهار خلال أيام من انتشار الوباء، وتقف عاجزة أمام المصابين وتختار من يموت أولًا منهم، في مشهد يدفع الإنسان إلى مراجعة نظرته في القيم والمبادئ التي حاولت تلك الدول غرسها على مدار عقود طويلة من الزمن.
ولم تسلم من هذا الفشل في التعامل مع الوباء دولة الاحتلال، التي سجلت عددًا من الإصابات فاق قدرة المنظومة الصحية على التحمل، فضلًا عن الانعكاسات الاقتصادية التي أصابت جميع السكان، ما دفعهم للخروج بتظاهرات يومية ضد الحكومة، وصلت إلى المطالبة باستقالة نتنياهو وتحميله حالة الانهيار الاقتصادي الذي لم تسلم منه جميع المنشآت في دولة الاحتلال.
لا شك أن غزة لا تملك من المقدرات المالية والصحية ما يجعلها تتفوق على دول العالم الأول، غزة تملك إرادة قوية وعزيمة فولاذية ورجالًا مخلصين يصلون الليل بالنهار من أجل خدمة شعبنا والمحافظة عليه من كل مكروه، فهذا النموذج الذي قدمته غزة في التعامل مع الوباء يستحق الدراسة والوقوف عنده مليًّا، فكما نجحت غزة في هذا الاختبار نجحت في اختبارات عديدة عندما ألقى جيش الاحتلال آلاف الأطنان من القذائف على غزة لتنهار وتسقط، وجدناها تخرج من تحت الركام لتعيد الحياة والأمل لأبنائها في نموذج يصعب أن تجد له مثيلًا في هذا الزمان، كما نجحت غزة في التغلب على العديد من الأزمات التي صنعها الاحتلال وأعوانه لتنهار، فإنها في كل مرة تثبت أنها أقوى من هذه المؤامرات بل تخرج أشد وأصلب لتخط طريقها نحو الحرية والكرامة، وهنا أقول بكل قناعة: هذا البلد الذي يملك هؤلاء الرجال لا يمكن أن ينهار في يوم من الأيام، بل الذي سينهار ويسقط هو المحتل وأعوانه، ولنا في التاريخ عبر.