ليست فكرة حكومة الاحتلال، برئاسة نتنياهو، ضم الأغوار الفلسطينية إلى (إسرائيل) حديثة العهد، ذلك أن ثمة أبعادا جيوسياسية لتكثيف النشاط الاستيطاني الإسرائيلي في هذه المناطق في الضفة الغربية، فضلا عن أن في التوسع استغلال الأغوار للزراعة طوال العام؛ وهي التي تتصف بخصوبة التربة؛ وتوافر مصادر المياه فيها؛ إذ تتربع فوق أهم حوض مائي في فلسطين. وتبعا لذلك، شرعت (إسرائيل)، منذ الاحتلال في يونيو/ حزيران 1967، إلى مصادرة مزيد من الأراضي، وإنشاء المستوطنات عليها، بغرض فرض الواقع التهويدي وضمّها في نهاية المطاف. وتبعاً لذلك، أقيمت في أراضي الأغوار الفلسطينية 36 مستوطنة، حسب الجهاز الإحصائي الفلسطيني، وذلك على 12 ألف دونم، إضافة إلى 60 ألف دونم ملحق بها، ويسكنها 11 ألف مستوطن إسرائيلي، وتتبع معظم المستوطنات في الأغوار للمجالس الاستيطانية الإقليمية المعروفة باسم عرفوت هيردن ومجيلوت. فضلاً عن ذلك، أنشأت (إسرائيل) تسعين موقعًا عسكريًا في الأغوار منذ 1967.
ويمكن الجزم بارتفاع وتيرة عمليات الهدم لتجمعات سكانية فلسطينية بشكل كلي وجزئي، بعد اتفاقات إعلان المبادئ (أوسلو) في 1993، بغرض تهجير المواطنين الفلسطينيين وتشريدهم، لتسهيل عمليات السيطرة على أراضي الأغوار بعد تطهيرها عرقياً. ووفقاً لمعطيات "بتسيلم"، هدمت الإدارة المدنية الإسرائيلية 698 وحدة سكنية على الأقل، ما بين 2006 - 2017 في بلدات فلسطينية في منطقة الأغوار، بالإضافة إلى تعرّض تجمعات سكانية عديدة لعمليات إخلاء متكرّرة، بحجة التدريبات العسكرية، وما يرافق ذلك من عمليات تدمير ومصادرة لممتلكات المواطنين. وفي الجانب الاقتصادي، يقيم جيش الاحتلال الإسرائيلي حاجزين على مداخل الأغوار؛ لاستخدامهما في سياسة الإغلاق والتضييق الاقتصادي على الفلسطينيين في الضفة الغربية، والحؤول دون وصول المزارعين والعمال، وكذلك لمنع وصول منتجات الأغوار إلى الأسواق الفلسطينية، لسد حاجات المواطنين، وتالياً تنشيط الاقتصاد الفلسطيني.
وقد رافق النشاطَ الاستيطاني الإسرائيلي الكثيف في منطقة الأغوار تهجيرٌ إسرائيلي مبرمجٌ لنحو خمسين ألف فلسطيني من سكانها منذ عام 1967؛ إضافة إلى تجمعات سكانية كاملة، بذريعة إقامتهم في مناطق عسكرية إسرائيلية، أو بحجج تطويرية للمنطقة؛ مثل تهجير أهالي خربة الحديدية في الأغوار الشمالية. واللافت أن ما تسمى مناطق C التي تخضع للسيطرة الإسرائيلية الكاملة، وفق اتفاق إعلان المبادئ (أوسلو)، تشكل الغالبية العظمى من منطقة الأغوار، وبنسبة تصل إلى 88%. وفي هذا السياق، تصل مساحة منطقة الأغوار إلى مليون وستمائة ألف دونم، تمثل ثلث مساحة الضفة الغربية، وتسيطر (إسرائيل) على 80% من حجم المياه المتوفرة في منطقة الأغوار. وهناك عمليات تضييق إسرائيلية تهويدية مبرمجة تطاول الفلسطينيين المتبقين في منطقة الأغوار، ويصل عددهم إلى 65 ألف فلسطيني بغية طردهم في نهاية المطاف. وقد أكد مركز "بتسيلم" أن معظم أراضي منطقة الأغوار وشمال البحر الميت تستغلّها (إسرائيل) لاحتياجاتها، وتمنع، في الوقت نفسه، الفلسطينيين من استخدام نحو 85% من المساحة، كما يُمنعون من المكوث فيها ومن البناء ومن وضع بُنى تحتيّة ومن رعي الأغنام ومن فلاحة الأراضي الزراعية. وأوضح المركز أن منع البناء والتطوير الفلسطيني في منطقة الأغوار سيمس، خصوصا، عشرة آلاف فلسطيني يسكنون في أكثر من خمسين تجمّعٍ سكّاني ومضرب في مناطق C، حيث تسعى (إسرائيل)، بشتّى الطرق، إلى ترحيلهم عن منازلهم وأراضيهم. وثمة أبعاد سياسية وديموغرافية إسرائيلية تكمن في السيطرة وتنشيط الاستيطان في منطقة الأغوار. وتهدف، في مجملها، إلى منع إقامة دولة فلسطينية في المستقبل، وطرد الفلسطينيين أصحاب الأرض الأصليين، لتحقيق الغرض الديموغرافي التهويدي الإحلالي في نهاية المطاف، وكذلك السيطرة الكاملة على الموارد المائية المتوفرة في الأغوار، في ظل الزيادة المتوقعة للطلب على المياه في (إسرائيل) للاحتياجات المختلفة، مع احتمال وصول نحو تسعين ألف مهاجر يهودي إليها في العامين المقبلين.
ويبقى القول إن حكومة نتنياهو ستعمل، في تسارع مع الزمن، إلى فرض وقائع استيطانية تهويدية في منطقة الأغوار، يصعب الانفكاك عنها، وصولاً إلى قوننة ضمها إلى السيادة الإسرائيلية، خصوصا أن هناك فرصة تاريخية قد لا تتكرّر، بوجود دونالد ترامب رئيس أكثر إدارة أميركية انحيازاً إلى جانب (إسرائيل) منذ عام 1948.