يعيش مستشفى المقاصد الخيرية الإسلامية في القدس المحتلة، أزمة مالية متجددة في ظل تفشي فيروس كورونا، وهي أزمة باتت عنوانًا دائمًا في كل عام مع تنصُّل السُّلطة الفلسطينية من مسؤولياتها المالية تجاه المؤسسة الصحية التي تخدم آلاف الفلسطينيين.
وعادت الأزمة إلى الصدارة من جديد، مع بدء نقابة العاملين في مستشفى المقاصد الخيرية، إجراءات تصعيدية، مؤكدة أنَّ الأزمة التي يعيشها المستشفى "لا تنحصر في الفواتير المالية، بل بمركز وطني تحمل أعباء كل البلد".
وحذَّرت النقابة خلال اعتصام نُظِّم أمس أمام المستشفى من استمرار الأزمة المالية، وتأثيرها على استمرارية عمله، محمِّلين السلطة الفلسطينية جزءًا كبيرًا من مسؤولية الأزمة.
الطبيب ورئيس وحدة الكلى في المستشفى محمد البوريني، علَّق على الحالة التي تمرُّ بها المقاصد بالقول: إنَّ "مستشفى المقاصد نحو خطر الإغلاق أو سيطرة الحكومة الإسرائيلية".
وأوضح البوريني لصحيفة "فلسطين" أنَّ أزمة حقيقية تعصف بديمومة الصرح الطبي القائم على جبل الزيتون في حي الطور المقدسي، مشيرًا إلى عدة أسباب للأزمة المتكررة، من بينها اعتماده على علاج مرضى تحويلات السُّلطة الفلسطينية بنظام الصفقة، "وهي صفقات مجحفة، وتسعيرتها أقل من نصف تسعيرة العلاج في المستشفيات الإسرائيلية للإجراء نفسه"!
وذكر اختصاصي أمراض وزراعة الكلى وضغط الدم، أنَّ تلك التسعيرة لا تغطي تكلفة العملية المطلوبة وذلك لأن المريض يأتي بحالة صعبة تستدعي مبيته بعد العملية لأيام عديدة، "وهذا المبيت لا تعترف به الحكومة الفلسطينية حسب نظام الصفقة".
وبيَّن البوريني أنَّ وزارة الصحة تستقطع ملايين الشواقل من فاتورة علاج المرضى، تتم دون مراعاة أنَّ الفاتورة أصلًا لا تغطي تكاليف العلاج!
وقال: "المديونية العالية وتراكم الديون على الحكومة الفلسطينية سواء بسبب التدقيق والإجراءات أو بسبب الضائقة المالية التي تمرُّ بها، تعصف بكل المستشفيات الخاصة والأهلية في الوطن".
وعزا أسباب الأزمة كذلك إلى اعتماد "المقاصد" على نظام الخدمة الطبية غير الربحية، "فهناك مرضى غير مقتدرين ماليًّا يُعالَجون دون وجود تأمين صحي وعلى نفقة المستشفى الخاصة، أو من صندوق المرضى".
وأفاد الطبيب البوريني بوجود ديون قيمتها ملايين الشواقل على المواطنين الذين لم يدفعوا نسبتهم من التحويلات الطبية على مدار السنوات، إضافة إلى وجود مراكز صحية تابعة للمقاصد في أبو ديس والرام وغيرها من المناطق لا تغطي تكاليف تشغيلها، مؤكدًا أنَّ المستشفى ملتزم بتقديم الخدمات الطبية لتلك المناطق.
كما تحدَّث عن فاتورة تشغيلية عالية تتكبدها المستشفى نتيجة ارتفاع سعر المواد الطبية في القدس مقارنةً بمناطق السلطة الفلسطينية، إلى جانب الضرائب الإسرائيلية و"أرنونا" والضمان الاجتماعي الإسرائيلي (المانورة).
حقائق بالأرقام
المدير العام للمستشفى هيثم الحسن، أكد في حديث لصحيفة فلسطين، وجود بوادر لعلاج قضية المستشفى، بعد اجتماع مع وزارة المالية في الحكومة الفلسطينية، واصفًا السيناريوهات التي يمرُّ بها المستشفى بـ"الصعبة".
وبيَّن أنَّ قطاع غزة يمثِّل (40%) من النسبة الكلية للمرضى الذي يُعالَجون في أقسام المستشفى، مشيرًا إلى أنَّ الاحتلال يفرض معيقات على حركة المرضى والمستشفى والعاملين فيها.
ورأى الحسن أنَّ "المقاصد" مستشفى صحي خيري في القدس المحتلة؛ إلا أنه يتأثر بالقرارات الإسرائيلية التي كان آخرها "خطة الضم"، مبينًا أن الضرائب التي يفرضها الاحتلال على المستشفى "تعمق الأزمة".
وقال: "المشفى أطلق مناشدة لكل الفلسطينيين أينما كانوا، ولجميع الجهات الفلسطينية من هيئات ومؤسسات داخل الوطن وخارجه، لمساعدته في الخروج من الأزمة المالية التي تعصف به".
وذكر أنَّ إيرادات مستشفى "المقاصد" انخفضت بنسبة (80%) منذ مارس/آذار المنصرم أي مع بدء جائحة كورونا، نتيجة انخفاض أعداد المراجعين، وانخفاض عدد التحويلات الطبية، وخاصة من قطاع غزة.
وأفاد بوجود موافقة مبدئية لإقراض المستشفى لتتمكن من حل بعض المشاكل الآنية لمدة شهر أو شهرين، مبيِّنًا أنَّ السلطة الفلسطينية ستساعدهم من أجل الحصول على هذا القرض.
وأوضح الحسن أن المشفى دفع (10%) من رواتب الموظفين عن شهري مارس وإبريل، وهو بالكاد يكفي لتغطية نفقة وصولهم إلى المشفى لأداء واجبهم.
وذهب إلى القول: "لا نستطيع دفع رواتب الموظفين، ولكننا مضطرون للدفع لحكومة الاحتلال ضريبة الراتب وصندوق نهاية الخدمة، وهي تصل إلى (2.3) مليون شيقل شهريًّا".
وبين مدير مستشفى المقاصد أن ما فاقم المشكلة هي الخصومات على الفواتير الطبية للسلطة الفلسطينية، والتي تؤثر في إيفاء المشفى بالتزاماته الطبية.
وبشأن تفاصيل الديون المتراكمة على المستشفى، أوضح أنَّ إجمالي المبلغ وصل إلى أكثر من (130) مليون شيقل، منها (40) مليونًا لشركة الكهرباء، و(20) مليونًا ديون متراكمة على المواطنين، "فبعضهم لا تغطيه التحويلات الطبية بنسبة 100%، ويتعهد بدفع جزء منها لعدم استطاعته دفعها مباشرة، ما أدى إلى تراكم ديون على المواطنين".
وأضاف: "المشفى عليه أيضا ديون متراكمة للضرائب الإسرائيلية التي ستفرض غرامات تأخير لعدم الالتزام بالسداد في الموعد المحدد، إلى جانب مديونية لشركات الأدوية الموردة ما أوصل حجم الديون للشركات الموردة إلى 70 مليون شيكل خلال هذا العام".
وبين أن الخصومات التي تجريها السلطة على فواتير المشفى تشكل نقطة جدال كبيرة، وهناك قرار لحل الموضوع، قائلًا: "تم تشكيل لجنة تدقيق للخصومات ولجنة أسعار، وتم أخذ قرار بعدم عمل خصم على أي فاتورة إلا بعد الحوار والنقاش مع الجهات المسؤولة".