بالتزامن مع ظهور خلافات إسرائيلية حول خطة الضم، فقد صدرت أصوات أخرى تحذر أن الخطة، التي تم تأجيلها مؤقتاً، ستصور "إسرائيل" بنظر المجتمع الدولي أنها كيان يمارس الفصل العنصري تجاه الفلسطينيين، ويستعيد نظام الأبارتهايد المطبق في جنوب إفريقيا في عقود سابقة، ما سيُحيي من جديد الاتهامات التي انتشرت منذ السبعينيات، خاصة في أوروبا، ثم في أمريكا الشمالية، بأن سياسة "إسرائيل" تطبق في الأراضي المحتلة سياسة "الأبارتهايد".
صحيح أن "إسرائيل" ليست بحاجة للعودة للفلسطينيين، وإدارة حياتهم اليومية، لكن التهديد الرئيس أنها ستجد نفسها تستخدم أدوات الفصل العنصري لحرمانهم من حقوقهم، حتى لو لم تنسخ جميع جوانب النظام العنصري.
لذلك تتزايد الأصوات الإسرائيلية التي ترى أن خطة الضم لمستوطنات الضفة الغربية ستدفع باتجاه فرض العقوبات الدولية على "إسرائيل"، وتحشرها في الزاوية بنظر المجتمع الدولي، ولذلك فإن جيش الاحتلال قد لا يستطيع تحمل عواقب تنفيذ هذه الخطة، وتل أبيب غير مستعدة لتبعاتها، لا أمنيا ولا اقتصاديا ولا قانونيا.
استمع الإسرائيليون في الأسابيع الأخيرة للعديد من التحذيرات الدولية، ومفادها أن الضم لن يكون مُرحَّبا به، بل سيشمل فرض عقوبات، وسيدفع "إسرائيل" لموقع "المصاب بالجذام"، كما دولة جنوب إفريقيا، ولذلك يدعو "العقلاء" منهم لتجنب الضم الذي سيجعل "إسرائيل" دولة تحوي معظم المصابين بالجذام في العالم.
لعل ما يمنح مصداقية للمخاوف الإسرائيلية الخاصة بتلقي الاتهامات الدولية بتطبيق نظام الفصل العنصري ضد الفلسطينيين بعد تنفيذ خطة الضم، أنها تخطط لضم 17 جيبا ومستوطنة، وأكثر من 16 ألف مستوطن، وجعل هذه الجيوب تتواصل جغرافيا مع إسرائيل بضم جميع الممرات والبؤر الاستيطانية غير القانونية، بما مساحته 30 بالمئة من الضفة الغربية، على طول 1800 ميل، أكثر بثلاث مرات من حدود "إسرائيل" مع الأردن وسوريا ومصر ولبنان.
وبالتالي فإن جملة المضامين والآثار العسكرية ستواجه الإسرائيليين فور تطبيق خطة الضم، أهمها أنه سيتعين عليهم بناء سور جديد، بكلفة تقديرية 40-50 مليار شيكل لبنائه وصيانته، كما أن فكرة الضم قائمة على سن المزيد من الإجراءات المتعلقة بنقل ملكية العقارات الفلسطينية للإسرائيليين، وأي فلسطيني يتحرك بعد اليوم المحدد لإعلان الضم لن يتمتع بحقوقه.
الخلاصة أن إسرائيل كونها دولة أبارتهايد، يجب أن تعلم أن هذا الخيار لن يكتب له البقاء إلى الأبد، فلا يمكن الاستمرار بتهديد ملايين الفلسطينيين، واستخدام العنف ضدهم، بل يجب منحهم حرية تقرير مصيرهم على المدى البعيد، وإلا فإن استمرار هذا الوضع سيعمل على تشويه صورة "إسرائيل"، ولا أظن إسرائيليا عاقلا لديه نصف عقل أو ربع أخلاق في "إسرائيل" يريد الاستمرار بهذه الطريقة التي ستخرب على الإسرائيليين قبل أي أحد آخر.