رغم حالة المكابرة التي تسود الأجواء الرسمية الإسرائيلية، فإن اعترافًا هنا وإقرارًا هناك يتم تداوله بين حين وآخر بأن جريمة من نوع الفصل العنصري ترتكب في الضفة الغربية خصوصا، وفي الأراضي الفلسطينية عموما، ورغم الرفض الإسرائيلي، لكنه وفقا للاتفاقيات الدولية فإن الوضع هناك تنطبق عليه معايير نظام الأبارتهايد.
ليس بالضرورة أن يتجسد الفصل العنصري بالفصل بين ركاب الحافلات، بل هو الاحتكار المطلق لمجموعة عرقية واحدة على السلطة السياسية والاقتصاد على مدى الحياة في البلد، وبهذا المعنى فإن ما تفعله إسرائيل هو الفصل العنصري، وهو ما يؤكده الرأي القانوني الدولي بوصف ما تشهده الضفة الغربية جريمة ضد الإنسانية، مرتكبوها إسرائيليون، وضحاياها فلسطينيون.
الوجود الإسرائيلي في الضفة الغربية ليس مجرد احتلال، ولذلك مطلوب فهم جديد لكيفية التعامل معه، فما يحدث هناك عبارة عن هجوم منهجي وواسع النطاق على الفلسطينيين، ولا يستبعد احتمال أن النظام في إسرائيل ككل، بما في ذلك داخل الخط الأخضر، يمكن اعتباره فصلا عنصريا، وكذلك الوضع في شرقي القدس أو قطاع غزة، فضلا عن الضفة الغربية.
إن حقيقة أن إسرائيل هي السلطة الحاكمة في الضفة الغربية، مع وجود مجموعتين عرقيتين، إحداهما إسرائيلية لها حقوق سياسية، والأخرى فلسطينية ليس لديها ذات الحقوق، وأن 99.7٪ من الأراضي التي خصصها الاحتلال في الضفة الغربية تابعة للمستوطنين، مقابل 0.3٪ للفلسطينيين، تعزز هذا التمييز العنصري.
كما أن الغرض من النظام الذي أقامته إسرائيل في الضفة الغربية هو إرساء سيادة "مجموعة عرقية" واحدة، من الإسرائيليين، كما سنت سلسلة من القوانين، أخطرها "قانون التنظيم" الذي يرسخ حكمها هناك، في حين أن خطوة الضم التي قادها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، حتى لو لم تتحقق، تضع ختمًا نهائيًّا على حقيقة أن هدف إسرائيل هو الحفاظ على تفوقها على الأرض.
التصرفات الإسرائيلية على الأرض تتوافق مع تعريف الفصل العنصري، حيث يتمتع المستوطنون بحقوق سياسية كاملة، في حين لا يملك الفلسطينيون القدرة على المشاركة في المؤسسات التي تحدد القانون والسياسة التي تهيمن على حياتهم، فالسلطة الفلسطينية محدودة للغاية، وتعتمد على إسرائيل في كل شيء.
ومنذ عام 1967، يمكن لإسرائيل أن تسجن أي فلسطيني مشارك في تجمع "سياسي" يضم أكثر من 10 أشخاص مدة 10 سنوات في السجن، في حين أن المستوطنين يتمتعون بحرية كاملة في تكوين الجمعيات، كما أبعدت إسرائيل فلسطينيين قسرًا من الضفة الغربية إلى قطاع غزة، وبذلك ارتكبت جريمة "النقل القسري للسكان"، ويستنتج من كل هذه الأفعال اللاإنسانية أنها تفي بمتطلبات تعريف جريمة الفصل العنصري الإسرائيلية ضد الفلسطينيين.