فلسطين أون لاين

لا بديل عن الانتفاضة والمقاومة للتصدي للضم الإسرائيلي

لم يطبق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو خطته لضم نحو 30% من أراضي الضفة المحتلة في الموعد المحدد مطلع الشهر الجاري، لكن ذلك لا يعني أن المشروع انتهى، فالحوار بشأنه لا يزال متواصلاً بين حكومة الرأسين (نتنياهو-غانتس) وإدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.

ولم تتخذ إدارة ترامب قراراً بهذا الشأن بعد، لكنها تميل في ضوء التعقيدات المتمثلة بالخلاف الإسرائيلي على تفاصيل الخطة، والرفض الفلسطيني والعربي والدولي لها، للموافقة على عملية ضم تدريجية تتمثل بإعلان (إسرائيل) مبدئياً السيادة على عدة مستوطنات قريبة من القدس (شيلو وبيت إيل) بدلاً من السيادة على 30% من الضفة كخطوة أولى.

وربما يتضمن ذلك فتح الباب أمام ضم مستقبلي أكبر سيكون مرهوناً بنتيجة الانتخابات الأمريكية الرئاسية المقبلة وبردود الفعل في فلسطين التي شهدت اتفاقاً وطنياً على مواجهة الخطة على الأرض.

اتفاق وطني على المواجهة!

لا شك أن التحرك الفلسطيني على الأرض سيشكل العامل الأهم في تقرير مستقبل الخطة، وقد يدفع بتحركات شعبية عربياً، وسياسية على المستويين العربي والدولي.

وبالفعل اتفقت الفصائل الفلسطينية خلال لقاء جامع بغزة شاركت فيه فتح للمرة الأولى، على برنامج وطني للتصدي لخطة الضم، تضمن الدعوة لتصعيد المقاومة الشاملة في المناطق المحتلة كافة بما فيها قطاع غزة، وتضمن دعوة لتشكيل جبهة وطنية موحدة للمقاومة الشعبية لإدارة الاشتباك الميداني.

وتطرقت الخطة لخطوات مفترضة للحوار الفلسطيني لتوحيد الجهود وإنهاء الخلافات السياسية، في جهد يفترض أن يشكل الحد المعقول المطلوب من فصائل العمل الوطني لمواجهة الخطة التي تستهدف الكل الفلسطيني أرضاً وشعباً بل والقضية برمتها.

وجاءت بعد ذلك بأيام تصريحات المؤتمر الصحفي المشترك لنائب رئيس المكتب السياسي لحماس صالح العاروري وأمين سر اللجنة المركزية لحركة فتح جبريل الرجوب لتصب في نفس الاتجاه.

أي مقاومة وفي أي نطاق؟!

اللافت للانتباه أنه فيما أكدت حركتا حماس والجهاد اعتماد المقاومة المسلحة للتصدي للمشروع الإسرائيلي بشكل واضح وصريح، جاءت تصريحات قادة فتح وعلى رأسهم الرجوب عامة في ذكر المقاومة مع التركيز على المقاومة الشعبية منها، الأمر الذي يضع علامة استفهام حول حدود الاتفاق وإمكانية التزام السلطة به في ظل عدم وجود تأكيدات على تخلي الأخيرة عن التنسيق الأمني مع العدو ووجود مؤشرات على استمراره بحدود وأشكال معينة.

وإذا كان هناك من إنجاز وطني يمكن التعويل عليه بقوة لإفشال المخطط الصهيوني فيجب أن يكون باعتماد المقاومة المسلحة، لأنها الوسيلة الأنجع- كما تخبرنا تجربة المقاومة في كل مكان وفلسطين تحديداً- لإجبار (إسرائيل) على مراجعة خطواتها على الأرض دون التقليل من أهمية المقاومة الشعبية واقتران ذلك بتحركات سياسية وتأثير على المحيط العربي، مع العلم أن كل ذلك لن يكون له قيمة حقيقية بدون إنجازات المقاومة.

والأخطر من هذا أن تستمر أجهزة السلطة في دورها الحالي بالتصدي لعمليات المقاومة ما يعيد الساحة الفلسطينية إلى مربعها السابق ويفشل خطط المواجهة مع العدو. ولسنا هنا نتحدث من فراغ، ولكن من تجربة مريرة ومعرفة حقيقية بقيادات السلطة ورئيسها الذي لا يؤمن بالمقاومة بل ويحاربها!!

ولا شك أن السلطة مستفيدة من هذا الاتفاق لتقوية موقفها السياسي، وهذا ما دعمته حماس كجزء من الخطة الوطنية للمواجهة، ولكن الخوف يكمن في تطويع السلطة للاتفاق لخدمة أهداف تفاوضية تكتيكية تخدم برنامجها التفاوضي المستند إلى حلول منقوصة لا تلبي تطلعات الشعب الفلسطيني وتخذل الانتفاضة الشعبية المرتجاة!

ومن ناحية أخرى، فإن مدى وحدود مشاركة قطاع غزة الذي يعاني من حصار إسرائيلي ومصري في المقاومة المسلحة يظل غير معروف لا سيما في ظل أجواء التهدئة هناك واقتصار الفعاليات على المسيرات الشعبية، ومحاولة الفصائل و(إسرائيل) عدم الدخول في مواجهة قد يذكيها أي عمل مقاوم هناك، وبلا شك فإن الفصائل تحديدا تحاول تجنيب القطاع حرباً ستكون ويلاتها كبيرة على شعب لم يتعافَ بعد من حرب 2014.

وبلا شك، فإن قطاع غزة الذي تقوده حماس سيشارك بفعالية في المواجهات لكنها قد لا تصل إلى حد العمليات العسكرية، وإن كانت المسيرات الشعبية والحارقات على المستوطنات ستسخن الأجواء مع الاحتلال، إلا إذا لجأت الحكومة الإسرائيلية للموافقة على صفقة تبادل أسرى مع حماس قد يكون من شروطها تحقيق التهدئة بغزة.

ومن هنا، فإن وسائل المقاومة ونطاقها الجغرافي سيحددان مدى تأثر خطة الضم الإسرائيلية ونطاقها في الضفة المحتلة، لا سيما وأنه كلما تعاظم الأذى الذي سيلحق بـ(إسرائيل) ومستوطنيها دفع ذلك حكومتها لحساب خطواتها على الأرض، وزاد من تفاعل المحيط الشعبي العربي، وتعاظم الضغط على الأنظمة العربية لفرملة عمليات التطبيع مع (إسرائيل) ودفعها للتحرك سياسياً ضد الخطة.

معضلة البرنامج الوطني

وتضمنت الخطة "دعوة الأمناء العامين للفصائل لاجتماع عاجل لمواجهة قرارات الضم واستعادة الوحدة الوطنية والاتفاق على استراتيجية وطنية لمواجهة التحديات الراهنة، وإعادة بناء النظام السياسي الفلسطيني وفي مقدمته (م.ت.ف) على أسس الشراكة والديمقراطية".

لكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا، هو مدى استعداد السلطة للمصالحة ودمج حماس والجهاد بمؤسسات المنظمة، وهل ستقبل بالتخلي عن هيمنتها المطلقة على المنظمة وتقاسم النفوذ مع حماس؟ وهل ستكون قادرة على تجاوز الفيتو المصري بهذا الخصوص؟

وفي المقابل، ما فرص نجاح الاتفاق على إنهاء الخلاف على إدارة غزة وإصرار السلطة على تسلمها بعد نزع سلاح المقاومة فقط!

كل ذلك سيؤثر بالطبع على خطة المواجهة، فطالما لم يكن هناك بوتقة سياسية حقيقية تخطط للمواجهة، فإن أداءها في الميدان سيعتريه الضعف والتشتت في مرحلة حساسة من هذا النوع.

استراتيجية للمواجهة

صحيح أنه لم يكن في تاريخ المقاومة الفلسطينية منذ برنامج النقاط العشرة عام 1974 اتفاق وطني على المقاومة المسلحة كخيار رئيسي، ولم تتوحد الجهود الفلسطينية في إطار منظمة التحرير منذ انخراط حماس والجهاد بقوة في الانتفاضة والمقاومة في الثمانينيات، إلا أن ذلك لم يوقف الانتفاضة والمقاومة ضد العدو في المحطات المختلفة.

غير أن الخلاف السياسي وعدم الاتفاق على استراتيجية واحدة للمقاومة كان يعطي الفرصة للقيادة الفلسطينية لدفع الانتفاضة والثورة إلى مزالق سياسية تتمثل باتفاقيات انتقصت من الحق الفلسطيني وكبلت مقاومته بل وجرمتها، ما يجعلنا نتخوف حيال مستقبل المقاومة وقضية الشعب الفلسطيني.

إن الاتفاق الفلسطيني على إستراتيجية للمواجهة يظل مطلباً فلسطينياً وعربياً أيضاً، ولا بد لجميع الفرقاء العمل عليه بجدية، ومن المهم على الأقل الآن تطبيق ما تم الاتفاق عليه في الخطة الوطنية، حيث سيراقب الشعب الفلسطيني من سينكث بالاتفاق أو يتراجع عنه أو يقصر في الأداء في الميدان أو يخذل المقاومين أو يتآمر عليهم، وسيكون لهذا الشعب الكلمة الأخيرة في تقرير من سيقوده في كفاحه المستمر ضد الاحتلال.