الانتحار من أبشع الحوادث وأكثرها مأساوية.. إنه من الجرائم الفظيعة التي تُحيّرُ العقولَ، فالقاتل والمقتول شخص واحد.. إنها مشاعر بائسة يائسة في لحظة من الإحباط الشديد وفقدان الأمل في ظل تعقيدات وضغوطات يواجهها الفرد فتسبب اضطرابات وصراعات نفسية لدية تؤدي إلى أزمات حادة فيشعر بفقدان قيمته ويتولد لديه سلوك عدواني فظيع فيُنهي حياته بيده في ظل خلل في العقيدة وغياب الإيمان والوازع الديني وجهل بخطورة هذه الجريمة.
يحرُم على أي إنسان قتل نفسه، ولا مبرر له مهما بلغ به ضيق الحال، فقد قال الله (تعالى): {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا *وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا}. وقال رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم): "مَنْ تَرَدَّى مِنْ جَبَلٍ فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَهُوَ في نَارِ جَهَنَّمَ يَتَرَدَّى فِيهِ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيها أَبَدًا، وَمَنْ تَحَسَّى سُمًّا فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَسُمُّهُ في يَدِهِ يَتَحَسَّاهُ في نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فيها أَبَدًا، وَمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِحَديدَةٍ فَحَدِيدَتُهُ في يَدِهِ يَجَأُ بِها في بَطْنِهِ في نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيها أَبَدًا".
فدلَّ ذلك على أن قتل المرء نفسه من أعظم الكبائر، وأنَّ عذاب صاحبه يكون بنفس الوسيلة التي تم بها الانتحار، يضاف إليها دخوله جهنم والعياذ بالله، هذا وقد نهى الله (تعالى) عن اليأس والقنوط {وَلا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ}.
هناك إحصائيات مُخيفة عن عدد حالات الانتحار في الدقيقة الواحدة، أغلب حالات الانتحار تحدث في البلاد غير الإسلامية رغم تقدمها الاقتصادي.. أما في البلاد الإسلامية والعربية فرغم تزايدها إلى أنها لم تصل لمستوى الظاهرة خاصة في فلسطين.
الفقر ليس وحده السبب.. ففي كثير من البلاد المتقدمة اقتصادياً والتي فيها ضمان اجتماعي وراتب ثابت حتى للعاطلين عن العمل تحدث حالات انتحار كثيرة، ولكنَّ السبب الرئيس هو البعد عن الله (تعالى) والطريق المستقيم الذي رسمه لنا إسلامنا الحنيف، مما يؤدي إلى ضيق الصدر والاكتئاب الحاد، قال الله (تعالى): {فَمَن يُرِدِ اللّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاء كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ}.
ورغم خطورة الفقر على الفرد والجماعة لكنَّ الإعراض عن منهاج الله (تعالى) هو ضنك العيش في الدنيا والآخرة، قال الله (تعالى): {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى* قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيراً * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى}