نعيش في هذه الأيام الذكرى السادسة لمعركة العصف المأكول، التي شكلت نقطة تحول في معادلة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، رغم حجم الجرائم التي ارتكبتها دولة الاحتلال الإسرائيلي تجاه شعبنا الفلسطيني، التي أسفرت عن استشهاد 2147، منهم 530 طفلًا و302 امرأة، إضافة إلى آلاف الجرحى من جراء الغارات الصهيونية على كامل قطاع غزة، إضافة إلى تدمير مئات المنازل والمنشآت المدنية.
ورغم اختلال موازين القوى لصالح الاحتلال، فإن عدد الذين قتلوا خلال المعركة من جانب دولة الاحتلال 72 صهيونيًا بينهم 64 جنديًا، وأصيب أكثر من 1620 صهيونيًا، 322 خرجوا من الحرب بإعاقة، في حين سُجل هروب 292 جنديًا صهيونيًا من الخدمة العسكرية خلال المعركة، وأصيب 3000 جندي بصدمات نفسية.
وبلغت خسائر العدو الاقتصادية أكثر من 9 مليارات شيقل في كل القطاعات والمنشآت التي تعطلت خلال 51 يومًا من الحرب.
بعد هذه الإطلالة السريعة على أهم الإحصاءات في هذه الحرب، سأتوقف في هذا المقال على تطور أداء المقاومة بالمقارنة مع العدوان الصهيوني الذي سبق حرب العصف المأكول عام 2012م، حيث شهدت معركة حجارة السجّيل عام 2012م، أربعة تحولات إستراتيجية مهمة هي:
- ضرب تل الربيع بصاروخي (75m) و(فجر5).
- إطلاق صاروخ أرض جو تجاه طائرة حربية من طراز (إف 16)، وإطلاق صاروخ (كورنيت) على بارجة بحرية.
- إسقاط طائرة استطلاع في عملية تكنولوجية والحصول عليها.
- القدرة الأمنية الخارقة في الحفاظ على صلابة الجبهة الداخلية وتماسكها.
و عند متابعة أداء المقاومة بعد عامين فقط من معركة حجارة السجيل؛ أي عام 2014، فإن اللافت في الأمر حجم التحول الإستراتيجي في أداء المقاومة وعمل وحداتها، رغم أن البيئة السياسية الفلسطينية والإقليمية والدولية في حرب العصف المأكول كانت أكثر سوءًا تجاه المقاومة من حرب حجارة السجيل عام 2012م، ورغم ذلك، في الذكرى السادسة لمعركة العصف المأكول، فإن أهم التحولات الإستراتيجية التي رُصدت في تلك المعركة هي على النحو الآتي:
1. دخول سلاح الأنفاق بقوة في قاموس العلوم العسكرية، حيث كان لهذا السلاح أثر كبير في إفشال الزحف الصهيوني البري تجاه غزة، وإضعاف القدرات الجوية والبحرية في استهداف المقاتلين، وعليه فإن أغلب الخسائر البشرية كانت في صفوف المدنيين الفلسطينيين.
2. لأول مرة في تاريخ الصراع مع المحتل تتمكن المقاومة من استخدام طائرات مسيرة دون طيار؛ للرصد والتحكم في عمق دولة الاحتلال.
3. لأول مرة في تاريخ الصراع تُدرَج القوة البحرية ضمن أدوات المقاومة الفلسطينية، فظهرت وحدة الكوماندوز البحري (الضفادع البشرية) لتنفذ عملية نوعية في قاعدة زيكيم العسكرية داخل أراضينا المحتلة.
4. ظهرت خلال معركة العصف المأكول أنواع جديدة من القذائف المصنعة محليا التي تجاوزت تل أبيب، ليصبح أكثر من ثلثي دولة الكيان تحت مرمى النار.
5. في معركة العصف المأكول أصبحت صواريخ الكورنيت الموجهة بيد أغلب الوحدات المقاتلة، واستُخدِمت بكثافة حتى أصبحت سلاحًا عاديًّا في مواجهة ترسانة (إسرائيل) التي هاجمت المدنيين في غزة.
6. في معركة العصف المأكول ظهرت لغة القانون الدولي وأخلاق المقاومة في وقت غابت فيه الأخلاق عن جيش الاحتلال، وسادت شريعة الغاب لديهم عبر استهدافهم المتكرر للمنازل المدنية بما فيها من أطفال ونساء، وما يعكس أخلاق المقاومة وتحديها لدولة الاحتلال تحديد ساعة قصف تل أبيب، وتحذير المطارات والموانئ بعدم الإقلاع أو الهبوط في مطار بن غوريون قبل 72 ساعة من قصفه.
7. في معركة العصف المأكول أفشلت المقاومة خيار "هنيبعل" ونجحت في أسر جنديين من قلب المعركة.
8. في معركة العصف المأكول نجحت المقاومة في ضمان وحدة الجبهة الداخلية، وفي استهداف تل أبيب بعملية استشهادية انطلقت من الضفة الغربية لتعزز من وحدة الشعب الفلسطيني في مواجهة الاحتلال.
9. في معركة العصف المأكول تطور الأداء الإعلامي للمقاومة ما ساهم في كي وعي الصهاينة بقوة وقدرة المقاومة على الفعل والضرب خلف خطوط العدو.
معركة العصف المأكول عكست ضعف الأداء السياسي الفلسطيني المتمثل في نتاج التفاوض وجني الثمار لشعبنا بعد تضحياته الجسام، لذا كان لزامًا التقييم والتقويم، في سبيل تحسين عملية التفاوض وإلزام الاحتلال حقوقنا الوطنية المشروعة.
الخلاصة: هذا التطور بين معركتين يفصل بينها عامان، فكيف هو حال المقاومة اليوم -أَستشهد بالصواريخ العشرين محلية الصنع التي أطلقتها المقاومة الفلسطينية في عرض بحر غزة رسالةً لنتياهو بأن لا يختبر صبر المقاومة وينفذ وعوده الانتخابية بضم أجزاء من الضفة الغربية- هذا التطور الذي ترصده دولة الاحتلال قد يكون أحد أهم الأسباب التي أسهمت في تعزيز قناعة شريحة واسعة داخل (إسرائيل) بأن الحرب مع غزة ليست نزهة، وأن الحصار لا يمكن أن يؤثر على المقاومة وإرادتها في تطوير ذاتها في ظل حالة التنكر الإسرائيلي للقانون الدولي وانقلابها على كل الاتفاقيات السياسية التي وقعتها مع منظمة التحرير الفلسطينية، حيث فقد هذا الحصار مبرر وجوده، أو ربما نستطيع أن نقول إن الحصار يهدف لتهجير الفلسطينيين من أرضهم، وهذه المعادلة ستزيد من حالة الإصرار والالتفاف خلف المقاومة بكل ألوانها السياسية.