فلسطين أون لاين

"الجدران الناطقة" نقطة تحول في موهبة "قشطة"

...
رفح- هدى الدلو:

في أثناء مرافقة والدته في أحد المشاوير العائلية كان يقف شارد الذهن أمام الجداريات التي تحمل رسومات وألوانًا، وتشد انتباهه لافتات المحال، وبمصروفه الذي لم يتعدَّ خمس أغورات كان يشتري الألوان وأوراق الرسم بدلًا من السكاكر، وتشده قناة الأطفال ببرامجها لتعليم الرسم.

وعلى الجدران الصماء أخذ بقلمه يكتب ويشخبط، فهذا السلوك "المزعج" في نظر والديه كان دافعًا لمراقبته واكتشاف أولى خطواته نحو الموهبة لتطويرها، مع أن سنه لم تتجاوز حينها خمسة أعوام؛ هذه بعض تفاصيل قصة الشاب عادل قشطة (29 عامًا)، الذي يقطن في مدينة رفح.

مع بداية المراحل الدراسية لامس مدرس التربية الفنية خطوط موهبته، فوضع له النقاط الأساسية للرسم التي مكنته من بناء العديد من الأفكار عليها، "وكنت كل مدة أضيف نكهة جديدة ورائعة لموهبتي، حتى أصبحت وقت الاستراحة بين الحصص المدرسية أذهب إليه وأتعلم منه إلى درجة أنه كان يقول لي: "يا عادل، هذا وقت استراحة"، ولكن مع ولعي بالرسم ومراقبتي له، أصبح يصحبني إلى المعارض، ما جعل لي فرصًا للمشاركة في معارض المدرسة وعلى مستوى المحافظات أيضًا" يقول قشطة في حديث مع صحيفة "فلسطين".

ويضيف: "بعدها جاءت لي الفرصة على قدميها لأثبت نفسي، فأحد أقاربي استدل عليّ لتجديد جدران الحضانة الخاصة برسومات جديدة، فكان الأمر يمثل لي مرحلة انتقالية على صعيد موهبتي، رغم حالة التوتر التي سيطرت علي".

استعان قشطة بمعلمه الذي شجعه على خوض التجربة التي وصفها بـ"الرائعة"، خاصة أنه لم يتجاوز من عمره حينها 14 عامًا، ولكنه أراد إثبات ذاته، فبعد عودته من الدوام المدرسي كان يُغرق نفسه بين الألوان والفُرَش، وقد فتحت له المجال للمشاركة في رسم وتزيين الحارات والمعارض، وأصبحت موهبته مصدرًا لدخل خاص به.

الورقة والقلم توأماه، والروح التي تسكن بداخله، فلا استغناء عنهما، فهما سلاحه الذي يستطيع به الدفاع عنه نفسه، يقول: "بهما أعبر عن الواقع، وهما الونيس واللحن الرائع الذي يجوب بداخلي، فمهما أصف فلن أعطيهما حقهما".

"أبلغ من الكلام"

ويستهويه الرسم لأنه أبلغ من الكلام في التعبير عما بداخله من مشاعر تجاه الواقع الصعب بفلسطين، الذي عبرت فرشه وألوانه عنه "بطريقة حضارية"، كما يقول، وأوضاع اللاجئين في العالم وغيرها من القضايا.

لم يتوقف عند حدود معرفته الشخصية بالرسم، بل شارك وتتطوع في العديد من المراكز والمؤسسات، واستفاد من موهبته في إعادة تدوير بعض المخلفات وتحويلها إلى لوحة فنية، إذ "يجعل من شيء لا قيمة له شيئًا يمكن الاستفادة منه"، وقد حاول تعليمه للطلاب في أثناء عمله منشطًا في ألعاب الصيف.

هندسة الديكور والتصميم الداخلي كان اختياره في الدراسة الجامعية، لما له من نقاط تشاركية مع موهبته الفنية، فكلاهما يحمل خطوط الفن والإبداع، ويمكن أن يضاف إليهما اللمسات الخاصة والتشكيل فيهما.

يتابع قشطة حديثه: "فكرت بدراسة الفنون الجميلة، ولكن لما كانت الموهبة بالفطرة، توجهت نحو دراسة تخصص آخر، وهو هندسة الديكور، الذي أبدعت فيه في عمل المجسمات المعمارية، واختيار ألوان الدهان والجبس، فالتخصص أعطاني قوة أكثر".

وشارك في العديد من المسابقات، وكان مشرفًا على العديد من المعارض والمسابقات في قطاع غزة وخارجه.

ولجأ قشطة إلى الفن التشكيلي، فهو من الفنون الواقعية التي يستطيع الفنان أن يشكل الواقع كما يريد، يقول: "عملت على تطوير أدائي بهذا النوع من الفن، لأنه يجمع بين الفن والعمارة، وهو من ضمن تخصصي، كما يمكن الفنان من تشكيله بطرق مختلفة".

وينتمي إلى المدرسة الوحشية، وهي إحدى مدارس الفن التشكيلي، وتعرف بأنها اتجاه فني قائم على التقاليد التي سبقته مع مطلع القرن العشرين، إذ اهتم روادها بالضوء المتجانس، والبناء المسطح، فكانت سطوح ألوانهم تتآلف دون استخدام الظل والنور، أو القيم اللونية، فقد اعتمدوا على الشدة اللونية بطبقة واحدة فقط.

وتناولت لوحاته قضية اللاجئين، وارتباط الفلسطينيين بالمسجد الأقصى والمقدسات الدينية، وقضية الحصار، وغيرها.

حلم قشطة أن يؤسس مؤسسة خاصة بالمواهب الفنية كافة، ويتمكن عبرها من إبراز المواهب الغزية التي لم تر النور بعد، وأن يتمكن من السفر للمشاركة في المحافل الدولية.