نحن الفلسطينيين بمختلف انتماءاتنا السياسية وتوجهاتنا الأيديولوجية شعب عالي الثقافة والتأطير، وكلٌّ له رأي يحظى بالرشد والتقدير، وخاصة إذا ما تعلق الأمر بالوطن وتقرير المصير.
الأستاذ خالد مشعل رئيس المكتب السياسي السابق لحركة حماس، شخصية فلسطينية تمتلك كاريزما وطنية متميزة، وتتمتع بآداب وأخلاقيات إسلامية عالية، واجتهاداتها السياسية تلقى الكثير من التقدير لحفاظها على خطوط التوازن والواقعية مع "الكل الفلسطيني"، وقد تبدّى ذلك جليًا في وثيقة حماس السياسية الصادرة مطلع مايو 2017، ودشَّن بها - قبل مغادرته منصبه – قناعاته لمشهد الصراع مع الاحتلال الإسرائيلي في السياقين الوطني والإسلامي.
في الحقيقة إن الأخ خالد مشعل (أبو الوليد) ومنذ ترجله عن قيادة حماس، بحسب مقتضيات لوائح الحركة الداخلية، لم يتوقف عن تقديم الرأي والمشورة، والأخذ -بقوة وجسارة- للمواقف التي يتطلبها المشهد النضالي الفلسطيني.
في 2 يوليو 2020 حلّ الأخ خالد مشعل ضيفًا على "منتدى التفكير العربي" في العاصمة البريطانية، وأدار القائمون على المنتدى معه حوارا مطولا حول توجهات حكومة نتنياهو اقتطاع أراضٍ فلسطينية من الضفة الغربية وضمّها عنوة إلى كيانه الغاصب، الأمر الذي حرَّك النخبة الفلسطينية لتدلي برأيها فيما يجب علينا عمله للتصدي للمخطط الإسرائيلي وإحباطه بكل الأدوات النضالية والتضحيات.
وفي كلمته التي كانت أشبه بنص قطعي الدلالة، تحدث الأخ خالد مشعل، مقدمًا رؤيته للخلاص الوطني، مقابل ما أعلنته حكومة نتنياهو من إجراءات لضم المزيد من الأراضي الفلسطينية، تساوقًا مع صفقة القرن التي أعلنت عنها إدارة الرئيس ترامب رسميًا بالبيت الأبيض بتاريخ 28 يناير 2020، التي تتمثل بسرقة 30% من مساحة الضفة، ما بين مستوطنات أقامتها سلطة الاحتلال - بفرض سياسة الأمر الواقع - على مدار أكثر من خمسين سنة، وأراضٍ زراعية بمنطقة الأغوار تمثل سلة الغذاء الرئيسة للفلسطينيين، وأحد أهم مقومات دولتهم ومستقبل حياتهم.
وأشار الأستاذ خالد مشعل إلى جملة من الأفكار والرؤى لا تبتعد كثيرًا عما طرحه آخرون من الشخصيات والنخب الفلسطينية لأكثر من عقد ونصف من الزمن، ولا أظن أن أحدًا سيختلف معه أو مع غيره إلا في جزئيات يمكن التفاهم حولها في سياق التوافق الوطني.
إن المشكلة والعقبة الكأداء هي في عقلية بعض رجالات السلطة، التي لم تمنح أحدًا غيرها حق امتلاك المشهد السياسي وتسييره أو التفكير في خلاصه خارج حساباتها، وهي مأساة قضيتنا التي ما زلنا نعاني منها حتى اللحظة!
قدّم الأستاذ مشعل برنامجًا للرد على قرار الضم قائلًا: إن الجهد الفلسطيني يجب أن يتطور إلى موقف عملي عبر "المواجهة المباشرة مع العدو الصهيوني، والاشتباك معه ميدانيًا وسياسيًا وجماهيريًا ودبلوماسيًا".
وأضاف: إذا توسّع الاحتلال في الضفة فإن المواجهة المباشرة معه ستزداد، متابعًا أن كل ذلك يجب أن يسبقه توحيد صف فلسطيني داخلي، وأن تتبنى السلطة الفلسطينية هذه الرؤية، مشيدًا بقدرات شعبنا العظيم على التحدي والتصدي لمخططات الإسرائيليين، وأن الرأي العام الدولي يصب في صالح الفلسطينيين. وأضاف: "نريد أن نستنزف الاحتلال وهو يسعى إلى الضم، نريد أن نربك جنوده ومستوطنيه، هذه المعركة عادلة وناجحة".
ولخّص مشعل التحديات التي تواجه الفلسطينيين وهي "تسارع المشاريع الأمريكية الإسرائيلية لتصفية القضية، وغياب الفعل الفلسطيني المؤثر بسبب الانقسام، وغياب القيادة الفلسطينية الجامعة التي تملك الرؤية وأدوات الفعل المؤثر".
طبعًا قضية حل السلطة - التي طرحها الأستاذ مشعل - هي مسألة ذات خلاف واسع بين "كل الفلسطينيين"، ولا أعتقد أنها المدخل لتحقيق أي إجماع فلسطيني. وقد عبّر الأستاذ نبيل عمرو مستشار الرئيس الفلسطيني السابق ياسر عرفات، أن حل السلطة الفلسطينية لن يكون مجديًا كرد على الضم، ولكنه أكد أن السلطة تحتاج إلى إصلاح وتقوية ودعم، وفصل جدّيّ بينها وبين منظمة التحرير.
في حين طرح د. سلام فياض رئيس الوزراء السابق رؤية للخلاص الوطني الفلسطيني، مشيرًا إلى أن هناك حاجة ملحة إلى التوافق العام بشأن المرتكزات الأساسية لجهد فلسطيني فاعل، وكذلك وطني وإقليمي ودولي، لإعادة الاعتبار للقضية الفلسطينية كقضية تحرر وطني تستمد شرعيتها من الحق المطلق للشعب الفلسطيني في تقرير مصيره على أرض آبائه وأجداده، الأمر الذي يتطلب عقد لقاء وطني يضم مكونات النظام السياسي الفلسطيني كافة.
وطالب بعدم الاستمرار في السماح لتعدد الرؤى وتضاربها بشأن مفهوم الحل الشامل المقبول وطنيا في إعاقة توحيد الجهد الوطني.
كما أن ما ظهر في المؤتمر الصحفي بين الرجوب والعاروري محاولات لتقريب وجهات النظر، ولكن المعضلة أن كل هذه المساعي تتحطم على "صخرة الفرعون"، حيث تنعدم رؤية الآخر، مهما كانت قوته وحاضنته الشعبية، وتنتصر مقولة: "ما أريكم إلا ما أرى"!!
خلاصة الموقف - يا أبا الوليد – إن تطويع عقلية الفرعون واحترام مكانة الشريك الوطني ضمن توافقات لا نختلف عليها، هما المدخل لأي رؤية سياسية تشكل إستراتيجيتنا جميعًا في مواجهة الاحتلال، ووقْف عجلة عدوانه علينا وعلى الأرض التي تمثل مستقبل وجودنا ومكانتنا كشعب يمتلك أهلية القيادة وتحرير الأرض التي باركها سبحانه للعالمين.