ثار جدل كبير عقب المؤتمر الصحفي الذي جمع بين حماس يمثلها نائب رئيس مكتبها السياسي صالح العاروري، وجبريل الرجوب عضو مركزية فتح، لإعلان توافق بين الحركتين لمواجهة خطة الضم الصهيونية، متضمنًا دعوة للجماهير الفلسطينية لأخذ دورها في مسؤولية المواجهة، بعد تبيان مخاطر المخطط ومآلاته على المدى المنظور.
توزعت مواقف المعلقين على المؤتمر بين مستبشر بنتائجه وما يمكن أن يفضي إليه، ومتشائم وساخط، وهذا الموقف الأخير حمل منطلقات متنوعة أيضًا، بين محتج على ما جرى لأنه يراه إجراءً شكليًّا لم يعالج القضايا الأساسية في موضوع الانقسام، ولم يقدم مؤشرات ميدانية تدلل على جدية ما طرح في المؤتمر، ومحتج بدافع ما ألفه من عادة احتجاج على الحركتين في كل الأحوال، في حال خصامهما أو توافقهما، لأنه يجد دائمًا ما يراه جديرًا بالانتقاد في الحالين، ولأنه اعتاد التشكيك في كل شيء وكل تنظيم، حتى لو استند في شكه إلى تحليل لا معلومة.
والحال أن المؤتمر لم يكن مؤتمر إعلان مصالحة، ولم يحمل صيغة توافق سياسية لتشكيل حكومة أو إجراء انتخابات، أو نحو ذلك مما جرت عليه العادة سابقًا، ولو كان كذلك لصحّ أن يقابل بذلك السيل من التشكيك وعدم المبالاة، ذلك أن المصالحة إنما تبدأ أولًا في الميدان، وحين تنتهي كل الإجراءات الأمنية القمعية على الأرض، وحين تحدد أسس واضحة لهذه المصالحة.
لكن غرض المؤتمر الأخير كان مختلفًا، ذلك أن هدفه إعلان التوافق في مواجهة خطة الضم تحديدًا، أي تقديم رسالة لأطراف عديدة أولها الاحتلال بأن هنالك حالة إجماع فلسطينية على رفض الخطة، وأن الخلافات الداخلية لن تؤثر على هذه الحالة، وأن هناك دعوة صريحة من قيادة الفصائل لمجابهة الخطة ومقاومتها.
حماس كان طبيعيًّا أن تتخذ هذا الموقف، وأن تعضّ على جراحها النازفة في الضفة لمصلحة قضية وطنية جامعة، وألا تجد ضيرًا في التوافق مع أي طرف داخلي على مواجهتها، فهذا الموقف ينسجم مع أدبيات الحركة التي تقدم المقاومة بمختلف أشكالها على كثير من الأولويات الأخرى، وتراها دائمًا جديرة بالاستنهاض والدعم وتصحيح بوصلة المسير باتجاهها.
أما السلطة فيمكن قول الكثير عن موقفها، من حيث الدافع وراء رغبتها بإظهار هذا التقارب مع حماس لمواجهة الخطة، مع أنه ما يزال تقاربًا شكليًّا، أو من حيث إكراهات المآزق الداخلية العديدة التي تواجهها حاليًّا، كالخلافات الداخلية على وراثة عباس، أو توقع قرب انهيار السلطة، أو عجزها عن الحد من تفشي فيروس كورونا في مناطق الضفة الغربية، أو حيرتها السياسية وقد انهار جوهر مشروعها في الضفة، وهي مآزق تلجئها تلقائيًّا إلى التقارب مع طرف داخلي قوي مثل حماس على أمل تجاوز أزمتها أو التخفف من أثقالها.
لكن أكثر ما يخطئ به المتابع وهو يحلل المشهد حين يكتفي بالتقاط صورة سطحية له، تعينه فقط على ممارسة تعميماته المغلوطة في قراءة المواقف، والظهور بمظهر المحايد، حتى لو كان ذلك على حساب الحقيقة وما يترتب عليها من شواهد، إضافة إلى خطأ من يجعل الجمهور في خانة والفصائل في خانة مقابلة، وينصّب نفسه ناطقًا باسم هذا الجمهور ووصيًا عليه وحريصًا على مصلحته، دون أن يبين لنا ما كان سيفعله لو كان في موقع مسؤولية، أو ما الموقف الذي يراه جديرًا بالتسجيل.
في اللحظات التاريخية المهمة ثمة مواقف ينبغي أن تُسجل بغض النظر عن كثير من الملابسات والتفصيلات، خصوصًا تلك اللحظات المتعلقة بجوهر قضية كبيرة، لكن هذه المواقف لن تعني بأي حال تمييع الحقائق أو الإسراف في المراهنة على السراب، أو تأمل الخير من عرابي مشاريع التسوية، إنما لا يصح التأخر عن أي موقف يتضمن توافقًا على المواجهة، أما الرهان الحقيقي فهو سيبقى على ما يملك كل فصيل مؤمن بمنهج المقاومة أن يفعله بذراعه، والمدى الذي يمكن أن يبلغه في التضحية والعطاء، وإيلام جبهة المحتل.