تكثر الأسئلة عن فوائد ومخاسر إسرائيل من ضم أراضٍ فلسطينية من الضفة الغربية المحتلة. فالضم يعطيها أراضي جديدة ويفتح الباب لضم عدد أساس من المستوطنات التي أقيمت على أراضي الضفة الغربية المحتلة.
ففي ظل دعم الإدارة الأمريكية المفتوح لإسرائيل، يتوافق أسلوب الضم مع السياسات الإسرائيلية منذ بدأت الصهيونية مشروعها الاستعماري. وبعد أن تقوم إسرائيل بهذه الخطوة ستعلن كعادتها أمام العالم أن الفلسطينيين والعرب رفضوا عرضها (العدواني) وأنهم يريدون تدمير إسرائيل.
لكن الواقع الآن وفي الماضي يؤكد أن العرب وخاصة الأنظمة العربية قبلت سرا وعلنا عشرات مبادرات السلام التي اصطدمت بنزعة إسرائيل للتوسع ولممارسة العنصرية. وبطبيعة الحال تنتظر إسرائيل أن تقبل الضحية بسلب أراضيها، وهذا لن يقع بسبب بسيط، فسلب الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية ينهي الأساس للدولة الفلسطينية، كما أن الشعب العربي الفلسطيني لم يسبق له أن تنازل عن أي قطعة من أرضه، ولهذا يستمر الصراع.
الضم سيجعل المشكلة الفلسطينية أكثر تعقيدا، فإسرائيل أمام تحدي وجود ملايين الفلسطينيين على الأرض ممن يقاومون الضم والمستوطنات والجدار، كما أن السلطة الفلسطينية لن تستطيع تحمل التبعات الشعبية للضم، وهذا سيفرض عليها تصعيد تجميد كل أنواع التفاوض والتنسيق الأمني، وقد يؤدي كل هذا لإضعاف السلطة الفلسطينية أمام التيار الشعبي الغاضب في كل فلسطين من جراء إجراءات الضم. وبنفس الوقت لدى الفلسطينيين أنصار كثر في العالم وخاصة أن العالم يختبر في هذه الفترة مناخا جديدا حول الحقوق والتفرقة والأبارتهايد.
الضم سيحرك بعض الجهات والمؤسسات الدولية، وربما ينتج عنه قرارات دولية. كما أنه سيحفز الشعوب العربية على مقاومة التطبيع مع الكيان الصهيوني، وسيستثير الدول العربية وإن بدرجات متفاوتة كالأردن ومصر وعدد من دول الخليج ممن تبنت بعض من أطروحات صفقة القرن. وسيكون الضم هدية تقدمها إسرائيل للموقف الإيراني والتركي الذي يتبنى القضية الفلسطينية عبر خطابه السياسي ومواقفه وعلى الأخص حول القدس والمسجد الأقصى. وهذا يعني مزيدا من الدعم الإيراني لحماس في غزة ومزيدا من الدعم التركي بوسائل مختلفة.
المقصود هنا أن المسائل سوف تزداد تعقيدا. يجب أن لا نقلل من إمكانية تحرك قطاعات من المجتمع الإسرائيلي ممن سيكتشفون أن هذه السياسات الإسرائيلية ستورط الدولة في صراعات مكلفة في المستقبل. إن حكومة اليمين الإسرائيلي الراهنة بقيادة نتنياهو لن تكون وحدها في الميدان.
إسرائيل، بوضعها الراهن، سعيدة بالحالة التي وصلت اليها الحركة الوطنية الفلسطينية. فبعد نضال طويل وشائك ضد الصهيونية منذ نكبة 1948 ومنذ حرب 1967 دفع الشعب العربي الفلسطيني وأنصاره من الشعوب العربية أثمانا كبيرة. وبينما نجحت الحركة الوطنية الفلسطينية منذ الستينيات من القرن العشرين بحشد قوى الشعب الفلسطيني، ثم نجحت أيضا في انتزاع قرارات دولية ساوت بين الصهيونية والعنصرية، إلا أن تفكك الحركة الوطنية الفلسطينية منذ نهاية الانتفاضة الثانية المندلعة من عام 2000-2004 جعل إسرائيل تعتقد بأنها أمام فرصة تاريخية لضم أراض جديدة.
إن العامل الأهم في وضع الحركة الوطنية الفلسطينية الراهن مرتبط بالفارق بين قوة العدو وبين واقع الضحية، فإسرائيل تمتلك القوة العسكرية والفلسطينيون يمتلكون القوة الأخلاقية المرتبطة بحقوق سكان البلاد الأصليين، لكن جزءا من قوتهم مرتبط بتمسكهم بالأرض ووجودهم الجسدي في فلسطين التاريخية. لكن هذا لا يكفي لتعديل ميزان القوى وتحقيق مكاسب في مواجهة الاحتلال والعنصرية والتوسع. إن قدرة إسرائيل على استخدام جيشها وأسلحتها في حروب عدة مع الفلسطينيين خاصة في ظل أوضاع عربية تتميز بالتفكك سمح لإسرائيل بتوجيه أقصى الضربات لقواعد الحركة الوطنية الفلسطينية. لكنه بنفس الوقت استخدام القوة الإسرائيلية لم يمتها، ولم ينهها، وهي في طور إعادة تشكيل ذاتها ووسائلها وأساليب نضالها.
وتضع إسرائيل السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية بين خيارات صعبة، كخيار إيقاف التنسيق الأمني وتحمل الاجتياحات العسكرية لمناطق الضفة الغربية، او إعادة اللحمة لفتح وحماس وتحمل حرب جديدة تشنها إسرائيل على الضفة الغربية وغزة. الخيارات الفلسطينية ليست سهلة بما فيها خيار حل السلطة الفلسطينية نظرا لتقسيم مناطق الضفة الغربية عبر مستوطنات تحولت لحواجز جديدة. لكن حل السلطة الفلسطينية يبقى خيارا ممكنا قد يضع الاحتلال الإسرائيلي أمام تحديات كبرى، بل قد يكون حل السلطة الفلسطينية كجهاز سياسي وليس كجهاز إداري وتعليمي وصحي، مدخلا لإعادة لحمة الحركة الوطنية الفلسطينية.
لا يوجد ما يؤكد أن سياسة إسرائيل التوسعية ستتغير، مخطئ من يتوقع أن الصهيونية ستخون نفسها وستتراجع عن القمع الممنهج، فتلك السياسة هي الوحيدة التي تسمح ببقاء دولة تقوم على العنصرية والتوسع وتسعى لاضطهاد كل من لا يقبل بمشروعها. إن الاضطهاد جزء من طبيعة إسرائيل، وهي لا تعرف كيف تعيش بلا معركة وعدو مباشر وصراع واقتلاع. هذا هو سبب صعودها، لكنه كان ولازال وسيبقى سبب أزماتها.
سؤال مستقبل الصراع مع الصهيونية سؤال مفتوح على مصراعيه. فالشعب العربي الفلسطيني لازال في أرضه، كما أن عملية طرده لن تكون عملية سهلة نسبة لما وقع في حرب 1948. إن النضال ضد العنصرية والتهويد وسلب الأرض والاستيطان كما وضد التهجير هو نفسه النضال من أجل بناء مؤسسات تثبت وجود الفلسطينيين على أرضهم. وهذا بالتحديد يشمل المؤسسات التعليمية ومؤسسات المجتمع المدني والمؤسسات الطبية ومؤسسات تعنى بالمروية الفلسطينية في كل محفل ومكان. إن مواجهة العنصرية والتهميش أصبح في الشهور القليلة الماضية ومنذ مقتل جورج فلويد على يد البوليس الأمريكي جزءا من وعي عالمي جديد. إن الخيار الجوهري في فلسطين مرتبط بتطوير المقاومة المدنية على كل الأصعدة إضافة لبناء التحالفات مع الشعوب والحركات التحررية التي تناضل ضد الظلم ومن أجل العدالة.