يبدي قادة الكيان الصهيوني تخوفاً شديداً من غزة، وعلى كل المستويات الأمنية، بما في ذلك جهاز الشباك، والاستخبارات العسكرية، ورئيس الأركان، جميعهم يحسب لرد فعل غزة ألف حساب في حالة ضم بعض الضفة الغربية.
لا يخوض القادة الأمنيون الإسرائيليون بالتفاصيل، ولا يشرحون آلية تطور الأحداث، ويكتفون بالتحذير من اشتعال غزة، وانتقال نيرانها إلى الضفة الغربية، ويقولون: إن غزة لن تسكت على الضم، وإن الضفة الغربية لن تدفن رأسها في الرمال، وتسكت، وهي ترى غزة تشتعل.
لقد بلغ الفزع بقادة إسرائيل من غزة حد الهلع، فراح العسكريون يهددون بقصف الأبراج في غزة مع بداية المعركة، وحددوا برج الظافر نموذجاً، وهو البرج الذي دمرته الطائرات الإسرائيلية بتاريخ 26/8/2014
فهل تقدر غزة حيث عجز الآخرون؟
نعم، تقدر غزة، وتستطيع غزة أن تقلب الطاولة التي يعدها ديفيد فريدمان للتوقيع على قرار الضم، وتقدر غزة على خلط كل الأوراق، وتقدر غزة على توحيد الموقف الفلسطيني خلف برنامج المقاومة، وتقدر غزة على استنهاض الرغبة الفلسطينية في المواجهة، وتقدر غزة على زرع الرعب في كل مدينة وشارع ومصنع ومؤسسة إسرائيلية، بل وتقدر غزة من خلال صواريخها ومبادراتها الميدانية على تحريك الشارع العربي ككل، وأن تعيد فرض الأجندة الفلسطينية على القرار العربي الضائع، وتقدر غزة على إفساد كل المخططات الإسرائيلية التي تنتعش مع الأمن الذي توفره السلطة الفلسطينية للمستوطنين، ومع اتساع التطبيع الذي تحرص عليه بعض الأنظمة العربية.
وماذا ستخسر غزة؟
ستربح غزة فلسطين كلها، وستخسر القيود والحصار، فغزة لا تمتلك المصانع والا الموانئ ولا المطارات ولا المؤسسات ولا حتى الطرقات والشوارع التي يخاف عليها أهل غزة، وغزة لا تمتلك الشركات وعجلة الإنتاج التي سيدمرها القصف، ولن تجد الطائرات الإسرائيلية التي ستحوم فوق غزة هدفاً واحداً يعادل قيمته الصاروخ الذي سينطلق إليه، ولا قيمة للأشياء في غزة، بما في ذلك الأبراج التي يهدد الإسرائيليون بتدميرها، فإذا بدأت المعركة بالأبراج، ستنتهي بعد 24 ساعة لصالح العرب، حيث لن تجد القيادة الإسرائيلية ما تطارده في غزة إلا الإنسان، وهذا هو ذخر غزة الاستراتيجي، وهذا هو محور المقاومة، والإنسان في غزة على قلب مواجهة ساخنة، فأهل غزة يرفضون الحصار والعقوبات، وينشدون الحياة الكريمة، إنهم يرفضون الموت جوعاً وبطالة وتجاهلاً، وإهمالاً لقضيتهم، وتهويداً لمقدساتهم.
فماذا ستخسر (إسرائيل)؟
وإذا كان نفس غزة الطويل سنة 2014، قد أعطاها المفاجأة والنصر الميداني الذي لم تحسن القيادة الفلسطينية استثماره سياسياً، فإن حرب 2020، ستعطي غزة الأفضلية في شل حياة الإسرائيليين لستة أشهر على أقل تقدير، وإذا كانت إسرائيل بقدراتها العسكرية ستتقدم في هذا المحور، وستحاصر تلك المنطقة، وستقطع غزة إلى نصفين، إلا أن إسرائيل كلها غير قادرة على الصمود في حرب طويلة الأمد، إذ يكفي غزة أن تطلق كل يوم ثلاثة صواريخ على منطقة "جوش دان" لتفرض منع التجول على 4 ملايين إسرائيلي، وتعطل الإنتاج، وتغلق المصانع، وتوقف الحياة، ثلاثة صواريخ يومية فقط، قادرة على قلب حياة الإسرائيليين من النعيم إلى الجحيم، فكيف لو انضمت الضفة الغربية برجالها وأبطالها وشبابها ومقدراتها الوطنية إلى الحرب التي يخوضها أهل غزة؟ وكيف لو تحرك الأردن؟ وكيف؟ وكيف؟
وتبقى المفاجأة؛ وما تخبئه المقاومة الفلسطينية للجيش الإسرائيلي من إعدادات، قد يشيب لها شعر أعداء غزة، وكل من يتشكك بقدرات الفلسطينيين.