فلسطين أون لاين

الصيف في غزة.. بحر وحكايات وإجراءات وقائية

...
غزة-مريم الشوبكي

قبالة شاطئ البحر وضعت المسنة وصفية عرفات كرسيها البلاستيكي تحت شمسية تتقي أشعة شمس الظهيرة الحارقة، غارقة بالنظر إلى أمواجه المتلاطمة. جاء صوت حفيدها "ستي اشربي مية باردة" قاطعا شرود ذهنها ليخفف عنها حرارة الجو.

على طاولة بيضاء وضعت بنتاها المسليات من الترمس والفول النابت، وأخذتا تتجاذبان أطراف الحديث، تفرغان ضغوطا نفسية زادتها جائحة فيروس كورونا الذي انتشر عالميا وأفقدهما عملهما.

وصفية (74 عاما) التي تقطن في حي الزيتون جنوب مدينة غزة، كانت لا تفضل الخروج من المنزل كإجراء وقائي من فيروس كورونا، ومع تخفيف الإجراءات الوقائية، تحمست لزيارة متنفس غزة الوحيد –كما يوصف- البحر، وهذه الرحلة طال التحضير لها بسبب أوضاعهم الاقتصادية، وتوقف دخل ابنتيها.

وتفرض هذه الظروف الاقتصادية نفسها، إذ إن المسنة وصفية تلفت إلى تكاليف الرحلات البحرية التي يمكن أن توفرها لجلب الحاجات الأساسية للبيت لمدة أسبوعين، بدلا من صرفها في يوم واحد.

جاء صوت المنقذ البحري وهو ينذر بعض الأشخاص السابحين بضرورة الابتعاد عن الشاطئ، قاطعا كلام وصفية التي قالت: "بمجرد رؤيتي للبحر أشعر براحة نفسية، وأفرغ الضغط النفسي الذي تملكني بسبب ظروف الحياة الصعبة ومشقتها في توفير لقمة العيش".

تضيف: "لدي ابنتان حاصلتان على الشهادة الجامعية، إحداهما كانت تعمل معلمة في روضة، ومنذ إغلاق المدارس والروضات فقدت مصدر دخلها، ومنذ أسبوع عادت للعمل في الحضانة في البرنامج التعويضي، ولكن أُبلِغت بأنها ربما ستتقاضى راتبا وربما لا، وهذا مرهون بالرسوم التي سيسددها أهالي الأطفال".

وتتابع: "أما الأخرى فكانت تعمل في مركز تعليمي، ومع إغلاق المدارس توقفت عن العمل، وهذا الأمر انعكس على حالتهما النفسية، وزيارة البحر ستخفف عنهما ما تشعران به".

أما إيمان حجاج فجلست تحتمي بظل خيمة استأجرها زوجها، ترتدي نظارة شمسية لتحجب ضوء الشمس الساطع، تنظر إلى أطفالها، منهم من كان يلهو على الرمال وآخرون يسبحون، غمرتهم السعادة بأنهم وأخيرا استطاعوا الخروج في رحلة طال انتظارها، على أمل أن يطرأ تحسن على حالتهم المادية.

لكن صناعة الفرح أمر يتقنه أهالي قطاع غزة المحاصر منذ 14 سنة، فرغم الأزمات يصنعون الابتسامة من قلب المعاناة، وهذا ما فعلته حجاج بالترويح عن بناتها الست اللواتي لم يتوقفن عن الإلحاح عليها لتعجيل الذهاب إلى البحر، وكان لهن ما أردن رغم "الظروف القاهرة" اقتصاديا.

الجري على الكورنيش

الجري على كورنيش البحر يوميا عادة يمارسها سلمان عرفات في "متنفس غزة"، ليتخلص من الأفكار التي تصارعه بين توفير المال لإكمال دراسته الجامعية، أو إيجاد عمل ولو كان بسيطا يستطيع من خلاله تأمين دخل مادي مستمر.

سلمان عمل في محطة بنزين، ونجارا، وبائعا في سوبر ماركت، وفي البناء، ويمتلك موهبة في التعليق الصوتي، ولكن "البخت ضائع" –على حد وصفه- جاءت جائحة كورونا وأوقفته عن العمل بسبب تسريح كثير من أرباب العمل عمالهم.

في إحدى الاستراحات الواقعة على شاطئ بحر مدينة غزة توقف الباص الذي يقل يسرى جندية وعائلتها التي تعدت 25 فردا، أمسكت صندوقا أزرق كبيرًا ثقيلًا تشاركت في حمله مع أختها، ثم سارت نحو خيمة استأجرها أخوها.

يسرى (45 عاما)، تتحدث بحسرة وألم عما وصلت إليه حالها: "هذه الرحلة دعاني إليها أهلي (...) تقت إلى زيارته لكي أفرغ الضغوط التي تعتريني".

البحر كما كل صيف يمثل المتنفس للغزيين للترويح عن أنفسهم؛ حيث يحملون حكاياتهم إليه، إلا أنه يحل هذا العام في ظل جائحة كورونا التي تستلزم إجراءات حتمية للوقاية منها.